إذا كان إنكار الـمنكر يستلزم ما هو أنكر منه، فإنه لا يسوغ إنكاره

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في أعلام الـموقعين عن رب العالـمين: إن النبي ﷺ شرع لأمته إنكار الـمنكر، ليحصل بإنكاره من الـمعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار الـمنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا الإنكار على الـملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر. وقد استأذن الصحابة رسول الله ﷺ في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ». وقال: «من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يدًا من طاعة»، ومن تأمل ما جرى على الإسلام من الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر قد طلبوا إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه. فقد كان رسول الله ﷺ يرى بمكة أكبر الـمنكرات ولا يستطيع تغييرها، فالـمنكر متى زال وخلفه ضده من الـمعروف وجب إنكاره، ومتى خلفه ما هو أنكر وأشد منه حرم إنكاره، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية- قدس الله روحه- يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرّم الله الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرّية وأخذ الأموال، فدعهم.. انتهى كلام العلامة ابن القيم رحمه الله.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الأمراء المسلطون " / العدل والإمام العادل - المجلد (5)