الحدود التي ينتهي عندها قتال الكفار
قال (تعالى): ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡ﴾ ولم يقل: قاتلوهم حتى يقيموا الصلاة؛ إذ لم يكن هناك من يقاتل، وإنما أمر بقتلهم وأخذهم وحصرهم؛ لأنهم مشركون من أهل القتال، ولو قدروا على فساد الدين وأهله لفعلوا ذلك.
إلى أن قال رحمه الله (يعني شيخ الإسلام ابن تيمية): ثم إنه بعد أن ذكر أمر المشركين قال: ﴿قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ﴾ [التوبة: 29]. الآية، فذكر قتال النصارى، وتخصيصهم بالذكر لا يجوز أن يكون لاختصاصهم بالحكم. فإنه يجوز قتال اليهود والمجوس بالنص والإجماع حتى يعطوا الجزية، وهذا قول جمهور العلماء، وبعضهم يقول: إنما تؤخذ ممن له كتاب، وإن المجوس لهم كتاب مبدل، أو لهم شبهة كتاب، وإن آية براءة تقتضي التخصيص. وليس كذلك، بل هي تدل على أن هؤلاء إذا وجب قتالهم حتى يعطوا الجزية، ولم تجز معاهدتهم بلا جزية فغيرهم من الكفارأولى، فإن المشركين والمجوس شر منهم، واليهود أشد عداوة للمسلمين منهم، كما قال الله تعالى: ﴿۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰ﴾ [المائدة: 82].