ما كان شرعًا زمن الرسول، ولم ينسخه الرسول فإنه شرع الله الذي لا يتغير ولا يتبدل
أقول: إن هذا الحديث (يعني حديث ابن عباس أن طلاق الثلاث على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر كان واحدة)، يدل على ما دل عليه القرآن في قوله سبحانه: ﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ﴾ [البقرة: 229]. والمرتان من شأنها أن تكون مرة بعد أخرى، وأن تكون كل مرة عند ابتداء كل طهر، إلا أن تكون المرأة حاملاً أو آيسة. يقول ابن عباس: إن الطلاق عند ابتداء كل طهر. وهذا هو الإجماع السابق الذي دل عليه هذا الحديث زمن النبي ﷺ وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر. وما كان شرعًا سابقًا زمن الرسول، ولم ينسخه الرسول فإنه شرع الله الذي لا يتغير ولا يتبدل إلا بسبب يقتضيه الشرع، وعمر وابن عباس وسائر الصحابة بشر ليسوا بمعصومين، قد يقع من أحدهم الخطأ على سبيل الاجتهاد، وله على خطئه أجر وعلى صوابه أجران.
لكن لا يكون حكمه أو تأديبه شرعًا مستمرًّا دائمًا، فمع فرض كونه أدّب الناس زمن ولايته ليرتدعوا عن سوء ما يعملون من شأنهم في الطلاق بالثلاث جميعًا، وهو أمر محرّم فألزمهم به تأديبًا لهم، فإنه لا يلزم أن يستمر هذا التأديب إلى يوم القيامة، وشرع الله أوفق ودين الله أحق.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الحكم الشرعي في الطلاق السني والبدعي " / عمر بن الخطاب وإمضاء الطلاق بالثلاث || المجلد (2)