بعض المخالفات التي يرتكبها الناس في الحج
قد رأينا الناس يفعلون في الحج أشياء من المخالفة لا يجوز أن يتابعوا عليها، بل ولا يقروا على فعلها، وإن كان لهم فيها وجه تأويل، منها:
الدفع من مزدلفة، فقد رأينا كثيرًا من الناس يدفعون قبل نصف الليل وهم أصحاء أقوياء ومنهم العلماء الفقهاء، مع العلم بأن النبي ﷺ وأصحابه وقفوا بها حتى الفجر وأسفروا جدًّا، ولم يرخص النبي ﷺ في الدفع لأحد قبله سوى الضعفة من الغلمان والنساء، وقال: «من شهد صلاتنا هذه - يعني بالمزدلفة - ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا؛ فقد تم حجه وقضى تفثه»، وفي القرآن الكريم ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ﴾ [البقرة: 199] والناس هم الرسول وأصحابه، وهم إنما أفاضوا بعدما صلوا الفجر وأسفروا جدًّا، فدل على أن الدفع قبل وقته فيه مخالفة واضحة، ولم نجد من أنكره على فاعله.
ومنها: رمي جمرة العقبة بالليل، فإن هؤلاء الذين يدفعون يجمعون بين الدفع قبل أوانه وإساءة الرمي قبل دخول وقته؛ لأن رمي جمرة العقبة من عمل يوم العيد، أشبه نحر النسك والحلق والتقصير.
وقد أجمع العلماء على أن النبي ﷺ إنما رمى جمرة العقبة ضحى، وفي حديث ابن عباس، قال: أرسلنا رسول الله ﷺ أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع بليل، فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: «أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» رواه مسلم. فاستباح أكثر الناس مخالفة هذه النصوص فصاروا يدفعون بالليل ويرمون الجمرة بالليل، ويأتون المسجد الحرام بالليل من غير أن يجد أحدهم في نفسه حرجًا من فعله، من أجل أنهم وجدوا المجلدات التي يقرؤونها في الفقه تجيز ذلك لهم، فقبلوها قاعدة مسلَّمة لا مجال فيها للمماحلة، بينما ينكر أحدهم ما يعد بعيدًا عن المخالفة من القول بجواز الرمي قبل الزوال الثابت مشروعيته بالنص القطعي من أن النبي ﷺ ما سئل عن شيء من التقديم والتأخير إلا قال: «افعل ولا حرج».
والكل إلا الفرد يقبل مذهبًا
في قالب ويرده في ثاني
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الرسالة الموجهة إلى علماء الرياض / إلى حضرة علماء الرياض الكرام، حفظهم الله بالإسلام - المجلد (2)