تحقيق أبي طالب المكي في التفرقة بين الإسلام والإيمان
وقال أبو طالب المكي: مباني الإسلام الخمسة، يعني: الشهادتين، والصلوات الخمس، والزكاة، وصيام شهر رمضان، والحج. قال: وأركان الإيمان سبعة، يعني: الخمسة المذكورة في حديث جبريل، والإيمان بالقدر، والإيمان بالجنة والنار. وكلاهما قد رويت في حديث جبريل كما سنذكره إن شاء الله.
قال: وقد قال قائلون: إن الإيمان هو الإسلام. وهذا قد أذهب التفاوت والمقامات.
وقال آخرون: إن الإسلام غير الإيمان، وهؤلاء قد أدخلوا التضاد والتغاير، فهذه مسألة مشكلة تحتاج إلى شرح وتفصيل، فمثل الإسلام من الإيمان، كمثل الشهادتين، إحداهما من الأخرى في المعنى والحكم، فشهادة الرسول ﷺ غير شهادة الوحدانية. فهما شيئان في الأعيان وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم، كشيء واحد، كذلك الإيمان والإسلام، أحدهما مرتبط بالآخر، فهما كشيء واحد، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له. إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه. من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة: الإيمان، واشترط للإيمان: الأعمال الصالحة، فقال في تحقيق ذلك ﴿فَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَا كُفۡرَانَ لِسَعۡيِهِۦ وَإِنَّا لَهُۥ كَٰتِبُونَ ٩٤﴾ [الأنبياء: 94].
وقال في تحقيق الإيمان بالعمل: ﴿وَمَن يَأۡتِهِۦ مُؤۡمِنٗا قَدۡ عَمِلَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَٰتُ ٱلۡعُلَىٰ ٧٥﴾ [طه: 75].
فمن كان ظاهره أعمال الإسلام، ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب فهو منافق نفاقًا ينقل عن الملة، ومن كان عقده الإيمان بالغيب، ولا يعمل بأحكام الإيمان، وشرائع الإسلام، فهو كافر كفرًا لا يثبت معه توحيد، ومن كان مؤمنًا بالغيب، مما أخبرت به الرسل عن الله تعالى، عاملاً بما أمر الله، فهو مؤمن مسلم.
وقد أجمع أهل القبلة على أن كل مؤمن مسلم، وكل مسلم مؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، قال: ومثل الإيمان من الأعمال: كمثل القلب في الجسم، لا ينفك أحدهما عن الآخر، ولا يكون ذو جسم حي لا قلب له، ولا ذو قلب بغير جسم، فهما شيئان منفردان، وهما في الحكم والمعنى ينفصلان، ومثلهما أيضًا، مثل حبة لها ظاهر وباطن، وهي واحدة لا يقال حبتان لتفاوت صفتهما.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - تثقيف الأذهان بعقيدة الإسلام والإيمان / " انقلاب الإيمان نورًا لأهله يوم القيامة " - المجلد (1)