اختلاف قول ابن تيمية –رحمه الله-في التفرقة بين الإسلام والإيمان
وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - هو من أطول الناس باعًا، وأوسعهم اطلاعًا في هذه المسألة، وفي غيرها من سائر العلوم والفنون، وما معرفتنا بالنسبة إلى سعة علمه، إلا بمثابة الطفل الصغير بين يدي العالم الكبير.
غير أن العلماء قد اتفقوا على أنه لا يرد الحق الواضح لانفراد قائله، كما لا يقبل الباطل لكثرة ناقله، إذ إن الحق فوق قول كل أحد.
لهذا رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية قد اختلفت أقواله في تفسير الإيمان، والإسلام. فأحيانًا يقول بوجود مسلم ليس بمؤمن، ويقول بالاستثناء في الإيمان دون الإسلام، ويقول على حديث «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»، بأنه يخرج من دائرة الإيمان إلى دائرة الإسلام، ويستشهد لذلك بقوله سبحانه: ﴿۞قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّا﴾ [الحجرات: 14]. وبحديث سعد، حين قال للنبي ﷺ: ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنًا. فقال: «أوْ مسلمًا».
وبحديث جبريل، مما يدل بزعمه على انفراد الإسلام عن الإيمان، ويرجح هذا القول وهذا الاعتقاد، وينسبه إلى الإمام أحمد، وإلى كثير من العلماء، وهذا هو الذي اعتمد القول بصحته، واستقر عليه رأيه، وروايته.
وأحيانًا يرجح القول بأنه لا يوجد مسلم ولا إسلام إلا بإيمان، وأنه لا يوجد مسلم إلا ومعه شيء من الإيمان.
ويفسر حديث «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» المار ذكره وسنده، أنه يعبر عنه بأنه مؤمن ناقص الإيمان، أو يقال: إنه مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته. ويقول: إن الإيمان بمثابة اسم الدين، فيشمل جميع المأمورات، واجتناب المنهيات. ومرة قال: إن الإسلام والإيمان بمثابة الروح مع الجسد، ويستشهد لصحة ذلك بأقوال من يرى صحته، ووجوب اعتقاده من سائر العلماء القائلين به.
فمن ذلك ما نقله عن الإمام محمد بن نصر، في ص 187 من كتاب الإيمان حول الآية ﴿فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْ﴾ [البقرة: 137].
فحكم سبحانه: بأن من أسلم، فقد آمن واهتدى، ومن آمن: فقد اهتدى فسوّى بينهما في الاهتداء. وأن التفرقة بين الإسلام والإيمان، لا دليل عليها، وقد بينّا خطأ تأويلهم، والحجج التي احتجوا بها من الكتاب والأخبار، في محاولتهم التفرقة بين الإسلام والإيمان. وكونه لا صحة للاستدلال بها على المعنى الذي أراده. والحق أن الإسلام والإيمان شيء واحد.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - تثقيف الأذهان بعقيدة الإسلام والإيمان / " انقلاب الإيمان نورًا لأهله يوم القيامة " - المجلد (1)