الأدلة على عدم صحة حديث أبي ذر

سنتكلم الآن على حديث أبي ذرٍّ، مما يبين بطلانه وعدم صحته من ظاهر لفظه. فأولاً: قوله: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا». قلت: كم الرسل منهم؟ فقال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر، جم غفير». فهذا العدد بهذه الصفة، وبهذا التفريق، يبطله صريح القرآن الكريم في قوله سبحانه: ﴿وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا ١٦٤﴾ [النساء: 164]. وهي آية مدنية، فلا يمكن أن تنسخ بمثل هذا الحديث الضعيف. وقوله سبحانه: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ﴾ [المؤمن: 78]. فالاشتغال بعدد الأنبياء، هو مما يشغل الأذهان ولا يزيد في الإيمان، وهو صريح لمخالفة ما أبهمه القرآن الكريم. فلو طلبنا من المجادلين بصحة ذلك تسمية ثلاثة أشخاص من الأنبياء، هم أنبياء، وليسوا برسل، لم يحيطوا علمًا بمعرفتهم. ثانيًا: قوله في الحديث: قلت: يا رسول الله مَنْ أول الرسل؟ قال: «آدم» قلت: أنبي مرسل؟ قال: «نعم». فهذا أيضًا مما يدل على عدم صحة الحديث؛ لأن القرآن لا يثبت لآدم نبوة ولا رسالة، وما كان ربك نسيًّا. وإنما هو أبو البشر، يذنب فيتوب، يقول الله تعالى: ﴿... وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ ١٢١﴾ [طه: 121]. وأصح، وأصرح ما ورد في فضله هـو قوله سبحانه: ﴿۞إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٣٣﴾ [آل عمران: 33]. وليس فيها ما يدل على نبوّته بالصراحة، لكون الاصطفاء افتعال من الصفوة، ولا يلزم أن تكون نبوة. يقول الله تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٢﴾ [آل‌عمران:42]. ومن المعلوم أن مريم ليست بنبيّة، وإنما هي امرأة صالحة من صفوة نساء العالمين.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الإيمان بالأنبياء بجملتهم وضعف حديث أبي ذر في عددهم / [ عدد الأنبياء وما جاء في ذلك ] - المجلد 1