لما اتسعت فتوح المسلمين عكفوا على تمهيد قواعد الدين، ونشر العلوم

ولما تدفقت جحافل الصحابة الـمظفرة على بلاد الأكاسرة، وعلم رستم قائد الفرس الأعلى أنها الهزيمة لا محالة، أرسل إلى سعد بن أبي وقاص، أن أَخْبِرونا بالذي تريدون منا، وما الغرض الذي أقدمكم على بلادنا؟ فكان جوابهم الذي لم يختلف أن قالوا: نريد أن نُخرِج الناس من جور الأديان إلى عدل الإسلام، وأن نخرجهم من عبادة الـمخلوق إلى عبادة الله وحده، وأن نخرجهم من ضيق الدنيا إلى سعتها. فهذا صنيع سلف الـمسلمين الكرام، من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان. قد جاهدوا عليه بالحجة والبيان، والسنة والقرآن، حتى اتسعت حضارة الإسلام اتساعًا عظيمًا، لا يماثل ولا يضاهى ولا يضام. ذلك بأنها لما اتسعت فتوحهم الإسلامية، وامتد سلطانهم على الأقطار الأجنبية، لم يقصروا نفوسهم على استلذاذ الترف ورخاء العيش، وتزويق الأبنية وخزن النقود فحسب، بل عكفوا جادين على تمهيد قواعد الدين، وهدم قواعد الـملحدين، ونشر العلوم الإسلامية، والأحكام الشرعية، وتعميم اللغة العربية، فاختطوا الـمدن، وأنشؤوا الـمساجد، ونشروا الـمكارم والـمفاخر وأزالوا الـمنكرات والخبائث، فأوجدوا حضارة نضرة، جمعت بين الدين والدنيا. أسسوا قواعدها على الطاعة، فدامت لهم بقوة الاستطاعة، وغرسوا فيها الأعمال البارة، فأينعت لهم بالأرزاق الدارة. أمدهم الله بالـمال والبنين، وجعلهم أكثر أهل الأرض نفيرًا.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من " الحكم الجامعة (1) " / (6) فضل الإسلام ومَا يشتمل عَليه من المحَاسن والمصَالح العظام - المجلد (6)