القول بأن الإنسان مسير هو قول الجبرية
يسأل بعضهم:
هل الإنسان مخيَّر أم مسيَّر؟
فالجواب: أن الإنسان مخيَّر، أي فاعل مختار لعمله، سواء كان خيرًا، أو شرًّا، فلا يقع فعل مقصود إلا من فاعل مختار، يقول الله: ﴿إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا ٣﴾ [الإنسان: 3]. وقال: ﴿قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِيَ فَعَلَيۡهَاۚ﴾ [الأنعام: 104]. والله سبحانه يقول عند عرض صحائف الأعمال يوم القيامة: «يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه».
فمن قال: إن الإنسان مسيّر؛ فإن هذه طريقة الجبرية، القائلين: إن الإنسان لا يعدو أن يكون مجبورًا محضًا في جميع أفعاله، وتصرفاته، ويصفونه في تصرفه بالريشة المعلقة في الهواء، تقلبها الرياح اضطرارًا، لا اختيارًا.
وينشدون في ذلك:
ما حيلة العبد والأقدار جارية
عليه في كل حال أيها الرائي
ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له
إيّاك إياك أن تبتلّ بالماء
وأقول: إن هذا الشعر هو من الكذب المفترى على الله، وعلى رسوله، وعلى القضاء والقدر، فما ذنب القضاء والقدر؟! ولكنهم المذنبون يجادلونك بالباطل ليدحضوا به الحق، فهو بعيد عن الحق، فإن الله سبحانه لم يخلق الإنسان في الدنيا مكتوفًا عن العمل والسعي، والأخذ بأسباب الحول والقوة، وسائر ما يؤهله من السعادة، والوصول إلى الغاية والنعيم في الدنيا وفي الآخرة، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا ٣﴾ [الإنسان: 3]. وقال: ﴿وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡٔٗا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفِۡٔدَةَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٧٨﴾ [النحل: 78]. فهذه هي الوسائل والأسباب التي تنجيه من عذاب الدنيا، وعقاب الآخرة، فيكون سعيدًا في حياته، سعيدًا بعد وفاته.
أما إذا عطّل الإنسان هذه المنافع، ولم يستعملها في سبيل ما خلقت له، من عبادة ربه، واستعمالها في مصالحه، ومنافعه المباحة، فيكون بمثابة الأعمى والأصم، أو كالميت المكتوف. كما قال سبحانه: ﴿..وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ سَمۡعٗا وَأَبۡصَٰرٗا وَأَفِۡٔدَةٗ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفِۡٔدَتُهُم مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ...﴾ [الأحقاف: 26]. وقال: ﴿أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا ٤٤﴾ [الفرقان: 44]. وحكى سبحانه عن أهل النار ﴿قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ ٩ وَقَالُواْ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ ١٠﴾ [الملك: 9-10].
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الإيمان بالقضاء والقدر على طريقة أهل السنة والأثر / " بطلان الاحتجاج بالقدر: المحتجون بالقدر حجتهم داحضة عند ربهم - [هل الإنسان مخيَّر أم مسيَّر؟] " - المجلد (1)