الصحابة كانوا يحاصرون البلدان بدون عزم على إقامة فيها

ساق الكاتب آثار الصحابة في قصرهم الصلاة بأذربيجان ستة أشهر، وقد أسلفنا الكلام عليه، وبيان العذر فيه، وكون الصحابة مرغمين بالثلوج الحائلة بينهم وبين القفول. وقد أكثر الكاتب من تكرار عدم صحة التقييد بأربعة أيام، ثم ساق أثرًا من مصنف ابن أبي شيبة: أن رجلاً سأل ابن عباس فقال: إننا نطيل القيام بخراسان. فقال: صل ركعتين، وإن أقمت عشر سنين. ثم ساق من مسند عبد الرزاق عن الحسن، قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة في بعض بلدان فارس سنين، فكان لا يجمع، ولا يزيد على ركعتين. ثم ساق عن أنس وأنه أقام بالشام شهرين يقصر الصلاة. ثم ذكر البيهقي عن أنس بن مالك: أن أصحاب رسول الله ﷺ أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة. قال ابن حجر: صحيح. وكذا صححه النووي. فالجواب عن هذه الآثار: أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال، وأنه ينبغي النظر في هذه الآثار وصحة سندها إلى أصحابها، ثم النظر في السبب الذي أوجب لهم استباحة هذا القصر المدة الطويلة، إذ إن معرفة السبب هو نتيجة صحة الحكم، كما يقولون: تشخيص الداء نصف علاجه. وإن الصحابة في زمانهم قد أوقفوا أنفسهم للدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، فكانوا يحاصرون البلدان بدون عزم على إقامة فيها، فهم ينتقلون من بلد إلى بلد، وما استباحوا رخص السفر من القصر والفطر، إلا لكون السلاح بأيديهم والرواحل معقولة، والخيول مسرجة، تتراوح غاراتها بينهم وبين عدوهم، ويسيرون إلى البلدان على الرواحل، وأكثرهم يسيرون مشاة، فيعرض لهم طول الإقامة في البلد؛ لصعوبة الحصار في فتحها، فهم مستوجبون لقصر الصلاة وللفطر في رمضان مدة إقامتهم وإن طالت.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " أحكام قصر الصلاة في السفر " || المجلد (2)