توجيه الأحاديث التي ظاهرها قبول شهادة الواحد في رؤية الهلال
فإن قيل: فما تصنعون بحديث عبد الله بن عمر، قال: تراءى الناس هلال رمضان فأخبرت النبي ﷺ أني رأيته فصام رسول الله ﷺ وأمر الناس بصيامه. رواه أبو داود وصححه الحاكم وابن حبان. ومثله حديث ابن عباس: أن أعرابيا جاء إلى النبي ﷺ فقال: إني رأيت الهلال. فقال: «أتشهد أن لا إله إلا الله؟». قال: نعم. قال: «أتشهد أن محمدًا رسول الله؟». قال: نعم. قال: «فأذن في الناس يا بلال بأن يصوموا غدًا». رواه الخمسة صححه ابن خزيمة وابن حبان والنسائي.
فالجواب: أنه ليس في الحديثين ما يدل على حصر الرؤية في هذين الشخصين، إذ من المحتمل أن يكونا أول من رأى الهلال، ثم رآه غيرهما، إذ ليس في الحديث أنه لم يره تلك الليلة غيرهما، وقد جرت العادة في الناس حينما يتراءون الهلال أنه يسبق أحدهم إلى النظر إليه، ثم يراه الثاني والثالث والخمسة والعشرة، فيشتهر وينتشر خبره، فاكتفي في الحديث بذكر ابن عمر عن غيره لشهرته بدليل أن النبي ﷺ لم يبعث إلى قرى المدينة ليخبرهم برؤيته اكتفاء بظهوره وشهرته. أضف إلى ذلك معرفة النبي بعدالة الشاهدين، ومن لك بمثل ابن عمر وهو الصحابي الجليل، أشبه الرجل يخبر القوم بطلوع الفجر، ثم يخبر به الثاني، ثم يكتفى بانتشاره وشهرته.
ومثله تحقق رؤية هلال ذي الحجة حتى لا يقع خلاف ولا نزاع في يقين يوم عرفة ويوم العيد.
ثم إن هذا الحديث مدفوع بما هو أصح منه وهو ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر، قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «وإذا رأيتموه فأفطروا، وإن لم تروه فانظروا، فإن غم عليكم فاقدروا له».
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الحُكم الشرعي في إثبات رؤية الهلال " / كثرة اعتراض الوهم والتخيلات في رؤية الهلال || المجلد (2)