التخيير بين المن على الكفار وفدائهم دليل على أن الكفر ليس هو سبب قتالهم

فإن قيل: المن والفداء منسوخ. قيل: هذا ممنوع، فأين الناسخ؟ وبتقدير نسخه فذاك لأن له فئة يعود إليهم فيقويهم. وأبو حنيفة يقول بمنع المن والفداء لهذه العلة، كما يقتل الأسير المسلم إذا كان له فئة ممتنعة، وإلا فيجوز استرقاقه، فلو كان القتل موجبًا لما جاز استرقاقه. وأيضًا فلو كان مجرد الكفر مبيحًا لما أنزل النبي ﷺ قريظة على حكم سعد بن معاذ فيهم. ولو حكم فيهم بغير القتل لنفذ حكمه، بل كان يأمر بقتلهم ابتداء. وإنما قال له لما حكم فيهم بالقتل: «لقد حكمت فيهم بحكم الله». لأن قتل تلك الطائفة المعينة من الكفار كان في نفس الأمر مما أمر الله رسوله به. وكان أرضى لله ورسوله. فإنهم لو أطلقوا لعاد على الإسلام من شرهم ما لا يطفأ، ولكن هذا ما كان ظاهرًا، وكان لهم من حلفائهم في الجاهلية من المسلمين من يختار المن عليهم. فلما حكم فيهم سعد بالقتل قال النبي ﷺ: «لقد حكمت فيهم بحكم الله». وهذا يدل على أن بعض الكفار يتعين قتله دون بعض. وهذا حجة لكون مجرد الكفر ليس من الموجب للقتل.
مجموع رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله | رسالة "الجهاد المشروع في الإسلام"/ "قاعدة في قتال الكفار.. لشيخ الإسلام ابن تيمية"