التدرج في تحريم الخمر
فقد أُبيح للنّاس شرب الخمر في أول الإسلام، فكان أول آية نزلت في التمهيد لتحريمه هي قوله سبحانه: ﴿لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: 43]. ثم أنزل الله بعدها ﴿۞يَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ﴾ [البقرة: 219].
ومتى كان الشيء إثمه أكبر من نفعه وجب اجتنابه، ثم أنزل الله في السنة التاسعة من الهجرة قوله سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٩٠﴾ [المائدة: 90]. وهذه من سورة المائدة التي هي من آخر القرآن نزولاً، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها. وهذا تحريم مؤبّد يكفر مستحلُّه، حتى إن الصحابة حزنوا على من قتل شهيدًا وهي في بطنه، فأنزل الله تعالى: ﴿لَيۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ [المائدة: 93]. لكون الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها لقوله سبحانه: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا ١٥﴾ [الإسراء: 15]. ومثله صلاة الصحابة إلى جهة المشرق، وهو قبلة اليهود والنصارى، حتى أنزل الله: ﴿قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَاهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ﴾ [البقرة: 144]. وأتى رجل إلى بني عبد الأشهل وهم يصلون الفجر مستقبلين المشرق، فقال: أشهد بالله لقد أنزل الله على رسوله قرآنًا، وأمر أن نستقبل القبلة. فاستداروا وهم في صلاتهم إلى جهة القبلة.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " بطلان نكاح المتعة بمقتضى الدلائل من الكتاب والسنة " || المجلد (2)