اتفاق أئمة المذاهب على القول بالرمي أيام التشريق بعد الزوال

في القرن الثاني من خلافة بني العباس، عند ابتداء تدوين العلم والحديث والفقه، قرر الفقهاء في كتبهم تحديد الرمي في أيام التشريق بما بين الزوال إلى الغروب اجتهادًا منهم في ذلك، وأخذ بعضهم ينقل عن بعض القول به والحكم بموجبه، حتى انتشر في كتب الأصحاب من سائر المذاهب، وحتى صار عند كثير من الناس بمثابة الأمر الواجب، ودليلهم في ذلك ما روى البخاري عن جابر قال: رمى النبي ﷺ يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس. وعن ابن عمر وعائشة بمعناه، كلها أحاديث صحيحة، لكنها ليست بصريحة في الدلالة على التحديد بما ذكروا. لهذا ظن من ظن أن هذا حكم عام لازم للناس في جميع الأحوال والأزمان، وأنه لو رمى قبل الزوال أو بالليل لم يجزئه. وخفي عليهم أن هذا التحديد جرى على حسب الاجتهاد من الفقهاء، يؤجرون على اجتهادهم فيه ولا يجب أن يتابعوا عليه، إذ ليس بلازم أن يقبل ما يقوله الفقيه بدون دليل يؤيده، ولا قياس يعضده، لكون التحديد بابه التوقيف، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، لاسيما وليس له أصل يرد إليه، ولا نظر يقاس عليه، ولو فرض أنهم وجدوا دليل ابتدائه بالزوال، استنادًا واستدلالاً بفعل رسول الله ﷺ وأصحابه، لن يجدوا دليل انتهائه بالغروب.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام / اتفاق أئمة المذاهب على القول بالرمي أيام التشريق بعد الزوال - المجلد (2)