التعليق على حديث: «بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كما بدأ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»

فقول النبي ﷺ: «بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كما بدأ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»، رواه مسلم من حديث أبي هريرة، ورواه الإمام أحمد، وابن ماجه من حديث ابن مسعود، وفيه: قالوا: «يا رسول الله مَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: «النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ»». وفي رواية قال: «الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ». وفي رواية قال: «هم الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي». وقد اتخذ الناس هذا الحديث بمثابة التخدير للهمم، والتخذيل للأمم، بحيث يتخذونه بمثابة العذر لهم عن القيام بما أوجب الله عليهم من الجهاد في سبيله، والأمر بالـمعروف والنهـي عن الـمنكر، والنصيحة لله ولأئمة الـمسلمين وعامتهم، حتى كأن الرسول - بزعمهم - قصد بهذا الحديث الاستسلام لهذا الضعف الـمفاجئ للمسلمين ولهذه الغربة في الدين. وإن هذه الغربة تقع في مكان دون مكان، وفي زمان دون زمان. فمثل الرسول ﷺ في الإخبار بها كمثل خريت الأسفار، يخبر قومه بمفاوز الأقطار، ومواضع الأخطار، ليتأهبوا بالحزم، وفعل أولي العزم من وسائل التعويق، ويحترسوا بالدفاع لقطاع الطريق، كما في صحيح مسلم من حديث ابن عمر قال: «كنا مع النبي ﷺ في سفر فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من يصلح جشره، ومنا من ينتضل، إذ نادى منادي رسول الله: الصلاة جامعة. قال: فاجتمعنا، فقال النبي ﷺ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِى أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِىءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا»». يعني الآخرة شر من الأولى.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من مجلد " الحكم الجامعة 1 " / 10 غُربة الإسلام وفسَاد النّاس في آخر الزّمَان - المجلد 6