أمثلة من تغيير النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة للفتوى حسب الظروف
من ذلك (أمثلة من تغيير النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة للفتوى حسب الظروف) ما روى البخاري ومسلم وأهل السنن، قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: «وما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: «هل تجد ما تعتق به رقبة؟» قال: لا، قال: «وهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا. قال: «وهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا» قال: لا. ثم جلس فأُتي النبي ﷺ بعرق فيه تمر، وقال: «اذهب فتصدق به» فقال: أفعلى أفقر منا؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا، فضحك رسول اللهﷺ حتى بدت نواجذه، ثم قال: «اذهب فأطعمه أهلك».
فهذه فتوى رسول الله ﷺ، وقد عرفت كيف تغيرت من حالة الشدة التي هي الأصل في التكفير إلى حالة التسهـيل والتيسر، حيث تحمل عنه رسول الله ﷺ أعباء التكفير بالإطعام، ثم تصدق به عليه وعلى أهله، والدين هو الدين لا يتغير بتغير الأحوال، وإنما الإفتاء في مثل هذه المسائل الفروعية يتغير من حالة إلى حالة.
ومثله فتوى الصحابة للحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهـما أو على ولديهما بأن يفطرا ويقضيا بدله، وقد صدرت هذه الفتوى عن اجتهاد منهم بدون أن يوجد فيها نص عن رسول اللهﷺ، وهذه الفتوى مما يتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، إذ الأصل أن الصوم يجب على كل مسلمة بالغة عاقلة ليست بمريضة ولا مسافرة ولا حائض ولا طاعنة في السن. فالمرأة الحامل القوية الصحيحة الجسم لا يقبل منها دعوى الخوف على نفسها من الصيام، لأن نساء المسلمين الحوامل والمراضع في سائر الأزمان والأقطار من بدو وحاضرة، يصمن رمضان شتاءً وصيفًا ولا يتأثرن من الصيام فلا يجوز أن تفتَى بالفطر والحالة هذه كل امرأة.
أما المرأة الضعيفة النحيفة التي تعلم أن الصوم يشق عليها فوق المشقة المعتادة وتخاف على نفسها، فإنه يجوز أن تفتَى بالفطر ولكل سؤال جواب، ولكل مقام مقال.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الرسالة الموجهة إلى علماء الرياض / تنبيه هام لذوي العلوم والأفهام - المجلد (2)