المشقة التي يعانيها الناس عند الجمار لا يجوز نسبة القول بها إلى الشرع

فهذه المشقة التي يعانيها الناس عند الجمار لا يجوز نسبة القول بها إلى الشرع، إذ لا دليل على هذا التحديد لا من الكتاب ولا من السنة ولا قياس ولا إجماع. غاية القول فيها أنه جرى على حسب الاجتهاد من الفقهاء الذين ليسوا بمعصومين من الخطأ، وليس من كلام رسول الله ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فإن رمي النبي ﷺ وخلفائه وأصحابه فيما بين الزوال إلى الغروب هو بمثابة وقوفهم بعرفة فيما بين الزوال إلى الغروب، على أنه لم ينته بذلك حد الوقوف، بل الليل كله وقت للوقوف. وبما أن الرمي من واجبات الحج، فإنه يتمشى مع نظائره من الواجبات مثل النحر والحلق والتقصير فيدخل بدخولها في الزمان، ويجاريها في الميدان، إذ الكل من واجبات الحج التي يقاس بعضها على بعض عند عدم ما يدل على الفرق، وقد دلت نصوص الشريعة السمحة على أن الصواب في مثل هذه المسألة هو وجوب التوسعة، وعدم التحديد بالزوال، بل يجوز قبله وبالليل، كما دلت عليه نصوص طائفة من العلماء، فلم تُجمع الأئمة - ولله الحمد - على المنع ولا على وجوب هذا التحديد، إذ كانوا يردون ما تنازعوا فيه إلى الله وإلى الرسول، فيتبين لهم بذلك كمال دين الله وحكمة شريعته وكونه صالحًا لكل زمان ومكان، قد نظم حياة الناس أحسن نظام في شؤون عباداتهم من حجهم وصلاتهم وصيامهم.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام / اتفاق أئمة المذاهب على القول بالرمي أيام التشريق بعد الزوال - المجلد (2)