فعله صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق

في اليوم الثاني جعل الناس يسألونه، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج» حتى قال رجل: يا رسول الله، رميت بعدما أمسيت، فقال: «ارم ولا حرج» رواه البخاري من حديث ابن عباس، والليل يدخل في مسمى المساء. حتى إذا زالت الشمس قام لرمي الجمار وقام الناس معه، فبدأ بالجمرة الأولى فرماها بسبع حصيات، ثم وقف عندها طويلاً يدعو ويتضرع، ووقف الناس صفوفًا يدعون ويتضرعون، ثم رمى الثانية مثل ذلك ووقف عندها طويلاً يدعو ويتضرع، ثم رمى جمرة العقبة ولم يقف عندها، قيل: من أجل ضيق المكان. ثم انصرف إلى مسجد الخَيْف فصلى بالناس الظهر ركعتين قصرًا من غير جمع؛ لأن من هدي رسول الله ﷺ أنه كان يقصر الصلاة في منى ولا يجمع، وإنما يصلي كل فرض في وقته، قال ابن مسعود: من حدثكم أن رسول الله كان يجمع في منى فقد كذب عليه. ففعل في اليوم الثاني والثالث مثل ذلك، يرمي الجمار بعد الزوال ثم ينصرف إلى مسجد الخَيْف فيصلي بالناس الظهر، وكأنه حاول الرفق بالناس ليخرج بهم مخرجًا واحدًا لرمي الجمار وللصلاة في مسجد الخَيْف لكون حجه صادف شدة حر، حتى إن بلالاً يظلله عن الشمس عند الجمار. ولهذا نرى كثيرًا من الفقهاء يذكرون في كتبهم استحباب الصلاة بعد رمي الجمار في مسجد الخَيْف، تأسيًا بفعل النبي وأصحابه، ثم إنه عمِلَ الخلفاءُ الراشدون بمثل عمله، يرمون الجمار بعد الزوال ثم يصلون صلاة الظهر في مسجد الخَيْف. ثم أخذ أمراء الحج من بني أمية وبني العباس يعملون بمثل ذلك، ثم استمر عمل الناس على ذلك؛ لأن مجموع الحاج كانوا قليلين بالنسبة إلى هذه السنين، فيختارون للرمي من الوقت أفضله، ويتمكنون من القيام بمشروعيته: الدعاء والتضرع، والذكر والتكبير عند هذا المقام من أجل قلتهم وسعة المكان، وقبل أن يوجد في منى شيء من البنيان.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام / صفة حج النبي ﷺ - المجلد (2)