لم يأت في الدين ما يكذبه العقل

نرى العلماء تختلف أفهامهم في حكمة الشيء الواحد، فيحكي كل واحد منهم الحكمة على حسب ما أدى إليه فهمه، فيفهمون الكلام في حكمة الشيء الواحد في ثلاثة أقوال أو أربعة أو أكثر، فيمكن إدراك تلك الأقوال أو بعضها لسر الحكمة، ويمكن عجزها عن إدراكها، فإن من أسرار الشرائع ما أمكن الناس الوصول إلى معرفته، ومنها ما عجزوا عن أسرار حكمته، لكنهم مع جهلهم بها يؤمنون بكل ما جاء عن الله ورسوله إيمانًا جازمًا ليس مشروطًا بعدم معارض، وإن الله في كتابه وعلى لسان نبيه لم يخبر بما يكذبه العقل، ولم يشرع ما ينافي الميزان والعدل، قال تعالى: ﴿وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ﴾ [الأنعام: 115]. ومن ذلك سائر مناسك الحج ومشاعره، مثل التجرد عن الثياب للإحرام، والطواف والاضطباع فيه والرمل والسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار والحلق وغير ذلك. فهذه وإن خفي على الناس أسرار حكمتها، فإنها إنما شرعت لإقامة ذكر الله وطاعته، وتوجيه جميع المسلمين في صلاتهم وطوافهم إلى قبلة بيت ربهم واجتماعهم في البلد الحرام سواء العاكف فيه والباد والذي من دخله كان آمنًا، فيتذاكرون بهداية الإسلام والقيام بشرائعه على التمام.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام / المقدمة - المجلد (2)