التعليق على قوله تعالى: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى﴾
(قال تعالى): ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى ١١﴾ أي يتجنب سماع التذكير والانتفاع به. الشقي هو الذي استحكم الشقاء على قلبه، فهو قاسي القلب، وما ضرب الله عبدًا بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وإن أبعد القلوب من الله، القلب القاسي.
وشكى رجل إلى الحسن البصري قساوة قلبه، فقال: ادْنُهْ من مجلس الذكر.
وفي البخاري عن طارق بن شهاب، أن النبي ﷺ كان جالسًا في حلقة من أصحابه، فدخل ثلاثة نفر، فأما أحدهم، فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الثاني فاستحيا وجلس خلف الحلقة، وأما الثالث فأعرض وخرج. فقال النبي ﷺ: «ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فآوى إلى الله، فآواه الله. وأما الآخر، فاستحيا، فاستحيا الله تعالى منه، وأما الآخر، فأعرض، فأعرض الله تعالى عنه» .
فجعل الـمعرض عن التذكير، معرضًا عن الله، يقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُمۡ لَيَصُدُّونَهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ ٣٧ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ ٣٨﴾ [الزخرف: 37-38].
ومعنى قوله: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى ١١ ٱلَّذِي يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ ١٢ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ ١٣﴾ [الأعلى: 11-13]. لأن أهل النار يتمنون الـموت ليستريحوا به من العذاب ﴿وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ ٧٧ لَقَدۡ جِئۡنَٰكُم بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَكُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ ٧٨﴾ [الزخرف: 77-78].
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من مجلد " الحكم الجامعة 2 " / 52 تفسير سورة «سَبِّح اسمَ ربِّكَ الأعلَى» - المجلد 7