استشارة رسول الله ﷺ لأصحابه فيما يتعلق بأمور الحياة واجتهادهم بعده

كان رسول الله ﷺ يستشير أصحابه فيما يتعلق بأمور الحياة كالحرب والسلم والإصلاح والتعديل كما استشارهم في أسرى بدر أيقتلهم أم يضع عليهم الفداء؟ وكما استشارهم في وقعة أحد أيخرج إليهم أم يقاتلهم في الـمدينة؟ وكان رأيه أن يقاتلهم في الـمدينة، فلما كثرت عليه الأصوات من الـمتحمسين للخروج ممن لم يشهد بدرًا ترك رأيه لرأيهم فدخل ولبس لأمته ثم خرج وعلى وجهه أثر الكراهية للخروج، ومن ذلك رفع عمر حد القطع في السرقة زمن الـمجاعة وهو حد من حدود الله ثابت بالكتاب والسنة، وتوفي رسول الله ﷺ وهو على حالته، ومن ذلك منعه لبيع أمهات الأولاد وكن يبعن على عهد رسول الله ﷺ كما في حديث جابر قال: كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي ﷺ حي لا يرى بذلك بأسًا، وكان سبب منعه لبيعهن على ما رواه ابن الـمنذر عن بريدة، قال: كنت جالسًا عند عمر إذ سمع صائحة فقال: يا بريدة انظر ما هذا الصوت. فنظر ثم جاء فقال: جارية من قريش تباع أمها. فقال عمر: ادع لي الـمهاجرين والأنصار. فلم يمكث ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فهل كان فيما جاء به محمد القطيعة؟ قالوا: لا. قال: فإنها قد أصبحت فيكم فاشية، ثم قرأ: ﴿فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ ٢٢﴾ [محمد: 22]. ثم قال: وأي قطيعة أقطع من أن تباع أم امرئ منكم؟! وقد أوسع الله لكم. قالوا: فاصنع ما بدا لك. فكتب إلى الآفاق أنها لا تباع أم حر، وذلك بإجماع الصحابة رضي الله عنهم. وكان لعمر من السياسات الحكيمة والتصرفات الواسعة ما هي مناسبة لسيرته الـمرضية.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " تحقيق المقال في جواز تحويل المقام لضرورة توسعة المطاف بالبيت الحرام " / الفصل الخامس عشر - المجلد (5)