ليس في رواية الأزرقي ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من حول المقام عن مكانه

من ذلك (أي من الألفاظ التي يبعد وقوعها من عمر والتي تدل على ضعف رواية الأزرقي لنقل عمر للحجر) قوله: فكُتب إلى عمر(بجرف السيل للحجر عن مكانه) فأقبل فزعًا فدخل بعمرة في شهر رمضان... إلخ. فإن هذا هو من تصرفات الأزرقي لقصد الإحماض والتحلية كما هي العادة الغالبة عليه في تحبيره وحسن تعبيره، وإن من البيان لسحرًا، وإلا فإن عمر هو أرجح عقلاً وأثبت جأشًا من أن ينزعج لهذا الخبر الذي يكفي أن يقول فيه: ردوا هذا الحجر إلى مكانه، فإنما دواء الشق أن يحاص. إنه لم يسمع بجيش عرمرم قد حاصر الكعبة يريد هدمها والقضاء على أهلها حتى ينزعج لخبره ويستعد بالسفر إلى مدافعته. وأعجب من ذلك دعواه بأنهم حين وجدوه ربطوه بأستار الكعبة، ولعل هذا الربط وقع منهم خشية أن يفر على حين غفلة منهم، حيث شبه هذا الحجر بالدابة النفور عن أهلها ثم قوله في مناشدة عمر: أنشد الله رجلاً عنده علم بهذا الـمقام. حتى كأنه لا علم لعمر بحال هذا الـمقام ولا محله، ثم ذكر الخيوط وقياسات الـمطلب بها وهذا هو الـمحور الذي تدورعليه هذه الحكاية ليثبت بذلك أن النبي ﷺ هو الذي وضع الـمقام موضعه الآن وأن عمر رده إلى موضعه حين ذهب السيل به، على أنه ليس في الحكاية على فرض صحتها ما يثبت ذلك لا بصريح الخطاب ولا بمضمونه فإن عمر لم يقل في مناشدته: دلوني على مكان موضع رسول الله له. ولم يقل الـمطلب أيضًا: إن هذا هو مكانه الذي وضعه فيه رسول الله ﷺ فعدم ذكر رسول الله في القضية مع شدة الـمناسبة إليه يدل على عدم وقوع التحويل منه، وهل عمر سأل عن الـمكان الذي وضعه فيه أولاً ليرده فيه ثانيًا، فقد ثبت حمل السيل للمقام من قول سفيان بن عيينة وابن أبي مليكة ولا يزال السيل يدخل الـمسجد الحرام على الدوام حتى أصيبت الكعبة بالأضرار منه مرارًا عديدة حتى كان هو السبب في بناء قريش لها قبل البعثة، وفي بناء ابن الزبير لها، ولا يبعد أن يكون هذا التصرف الحاصل من عمر في الـمسجد الحرام بتوسعته وبناء الحيطان له وعمل الردم لسد السيل عنه أنه ناجم عن أثر ذلك السيل، أي سيل أم نهشل أو غيره.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " تحقيق المقال في جواز تحويل المقام لضرورة توسعة المطاف بالبيت الحرام " / الفصل الرابع عشر - المجلد (5)