قصة نقل السيل لحجر المقام ورد عمر له إلى مكانه

قال (ابن حمدان) في النقض ص 25: قال أبو الوليد الأزرقي: حدثني جدي، حدثنا داود بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن كثير بن كثير بن الـمطلب بن أبي وداعة السهمي، عن أبيه، عن جده قال: كانت السيول تدخل الـمسجد الحرام من باب بني شيبة الكبير قبل أن يردم عمر بن الخطاب الردم الأعلى وكان يقال لهذا الباب: باب السيل. قال: فكانت السيول ربما دفعت الـمقام عن موضعه وربما نحته إلى وجه الكعبة حتى جاء سيل في خلافة عمر يقال له سيل أم نهشل فاحتمل الـمقام عن موضعه فذهب به حتى وجد بأسفل مكة، فأتي به فربط إلى أستار الكعبة فكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب فأقبل فزعًا، فدخل بعمرة في شهر رمضان وقد غفل موضعه وعفاه السيل فدعا عمر بالناس فقال: أنشد الله عبدًا عنده علم من هذا الـمقام. فقال الـمطلب بن أبي وداعة السهمي: أنا يا أمير الـمؤمنين عندي ذلك، فقد كنت أخشى عليه فأخذت قدره من موضعه إلى الركن ومن موضعه إلى باب الحجر ومن موضعه إلى زمزم بمقاط وهو عندي في البيت. فقال له عمر: فاجلس عندي. فأرسل إليها فأتي بها فمدها فوجدها مستوية إلى موضعه هذا وسأل الناس وشاورهم فقالوا: نعم. فلما استثبت ذلك عنهم أمر به فأعلم ببناء رُبضه تحت الـمقام ثم حوله فهو في مكانه هذا إلى اليوم ثم ساق هذه الحكاية بلفظها عن عمر بن فهد الهاشمي الـمكي في كتابه إتحاف الورى بأخبار أم القرى في حوادث سنة سبع عشرة. انتهى. فالجواب أن نقول: إن صاحب النقض قد بالغ في نشر هذا الخبر وتشييده ونصره وتأييده حتى أشبع أسماع الناس من ترديده، وحتى ملأ صحائف كتابه من تمديده حيث إنه قد ذكره فيما يزيد على خمسين وجهًا من كتابه، وحتى ألحقه بالعلم اليقيني القطعي الذي لا مجال للشك فيه من أجل موافقته لهواه. أهم بترك النقد ثم يردني إلى القول إرجاف الجهول الـمفند إن هذه الحكاية وإن حذلقها ناقلها فإن فيها ألفاظًا يبعد وقوعها من عمر أو نسبتها إليه، ولم يذكر هذه الحكاية بلفظها الـمؤرخون الـمعتبرون والـمدققون في أخبار الحوادث كابن إسحاق وابن جرير وابن كثير وابن الأثير وابن سعد وغيرهم.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " تحقيق المقال في جواز تحويل المقام لضرورة توسعة المطاف بالبيت الحرام " / الفصل الرابع عشر - المجلد (5)