أول من قال بالتفريق بين النبي والرسول هو الإمام النووي
ثم إننا متى بحثنا عن أصل هذه القاعدة (قاعدة التفريق بين النبي والرسول) التي صارت طريقة وعقيدة للناس بحيث يتلقفها الصغار عن الكبار ويتعلمها العامة عن العلماء وهي قولهم: الرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه.. والنبي هو من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه. فهذه القاعدة حيث لم نجد لها أصلاً في القرآن يثبتها، ولم نجد لها أصلاً عن رسول الله يحققها، ولم يحفظ القول بها عن أحد من الصحابة، علمنا أنها محدثة ليس لها أصل تستند إليه ولا نظير تقاس عليه.
وهؤلاء الذين استقصوا عن مبدأ نشأتها عزوا بداية القول بها إلى الإمام النووي المتوفى عام 676هـ من كتابه: الفتح المبين بشرح الأربعين، حيث قال: الرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، قال: والنبي هو من أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه، ولذلك كثرت الرسل إذ هم ثلاثمائة وثلاثة عشر.. انتهى.
ويظهر من كلام الإمام النووي رحمه الله أنه متأثر بحديث أبي ذر في التفريق بين الأنبياء والرسل، كما حقق عدد الرسل وأنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، ولا يوجد حصرهم في هذا العدد إلا في حديث أبي ذر الضعيف. وقد غفل رحمه الله عن مصادمته للقرآن الذي هو أوضح الدلائل على وضعه وهو قوله سبحانه: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ﴾ [المؤمن: 78]. ومن عادة العلماء أن ينقل بعضهم عن بعض القول بصحته وضعفه، حتى يشتهر وينتشر، ومثله يقع كثيرًا في كتب الفقهاء.
وكذا قوله: ﴿۞إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيۡمَٰنَۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا ١٦٣ وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا ١٦٤ رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا ١٦٥﴾ [النساء: 163-165].
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - القول السديد في تحقيق الأمر المفيد / [ المدرك الرابع: النبوة جزء من الرسالة وليست الرسالة جزء من النبوة. وضعف هذا القول ] - المجلد (1)