الشرع المشتمل على الأحكام وأمور الحلال والحرام إذا لم يبلغ يكون بمثابة العلم المكتوم
يوضحه أن الله سبحانه لا يحابي بوحيه نبيًّا دون نبي، بحيث يوحي إلى أحدهم ويكلفه القيام بالدعوة والتبليغ والإنذار والتحذير والصبر على أذى قومه وعلى ما أصابه في ذات الله، فكان بعضهم يُقتل وبعضهم يُضرب وبعضهم يُسجن وبعضهم يُرجم بالحجارة ويُخرج من بلده ويصابون بفنون من البأساء والضراء، ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ ٢١٤﴾ [البقرة: 214]. لأن الأنبياء هم أشد الناس بلاء.
والصنف الثاني من الأنبياء يوحى إليه بشرع تنزل به عليه الملائكة من الله من الأمر والنهي والحلال والحرام، ثم لا يكلفون بدعوة ولا بأمر ولا نهي ولا تبشير ولا تحذير ولا بشيء من إبلاغ هذا الشرع النازل عليهم!! فيكون هذا الشرع المشتمل على الأحكام وأمور الحلال والحرام بمثابة العلم المكتوم، الذي لا يطلع عليه ولا ينتفع به سوى صاحبه لعدم تبليغه والدعوة إليه!! فهذا يعد من القياس البديع ولن يوجد له نظير في شرع الله لكونه يخالف ما أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله، يقول الله تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ﴾ [آل عمران: 187]. ويقول: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ﴾ [آل عمران: 81].
والأنبياء هم رؤوس من أوتوا الكتاب وأخذ عليهم العهد والميثاق في بيان الله من الكتاب، وقد قال الله لنبيه: ﴿۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ﴾ [المائدة: 67].
فالعالم الذي يبلغ ما أنزل الله من العلم والهدى هو أفضل وأنفع من هذا النبي الذي أوحي إليه بشرع من الأمر والنهي والحلال والحرام، ثم يكتمه ولا يبلغه، ويجلس في بيته تاركًا الناس يموج بعضهم في بعض بفنون الشرك والضلال!!
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - القول السديد في تحقيق الأمر المفيد / [ المدرك الرابع: النبوة جزء من الرسالة وليست الرسالة جزء من النبوة. وضعف هذا القول ] - المجلد 1