الرد على قول الشيخ عبد العزيز إن العطف يقتضي المغايرة

قال الشيخ عبد العزيز: «إن ما ذكره فضيلة الشيخ عبد الله، من أنه لا فرق بين النبي والرسول، والحق أن الاسمين اسمان لمعنيين: فإن الرسول أخص من النبي، وأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا.. فإن الرسول والنبي قد اشتركا في أمر عام وهو النبأ، وافترقا في أمر خاص وهو الرسالة». قال: «فالأنبياء والرسل اشتركوا في الوحي ونزول الملائكة عليهم، واختصت الرسل بإرسالهم إلى الأمة.. قال الله سبحانه: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ﴾ [الحج: 52]». قال: «فعطف النبي على الرسول والعطف يقتضي المغايرة، ففيها دليل على التغاير بين النبي والرسول» انتهى. فالجواب: أن كل شخص لا يبني قوله ونقده على أساس من العلم والمعرفة؛ فإنه سيتخبط في فنون الخطأ والغلط، ومن عادة شيخنا عبد العزيز في نظرياته وتقريراته أنه يرمي بمثل هذه الكلمة على سبيل الخرص والجزاف، غير موزونة بميزان الصحة والإنصاف، ثم يذهب كل مذهب في تحقيقها بما يظهر خطأه على فلتات لسانه ونزوات أقلامه، ويقولون في تفسير الحكمة: إنها إصابة الحق في القول والعمل. فهم يمدحون الثبت المصيب في أن إيراده وارد مورده، وأنشدوا: ثبت البيان إذا تلعثم قائل أضحى شِكالاً للسان المطلق لم يتبع شنعَ اللغات ولا مشى رسف المقيد في حدود المنطق في هذه خبث الكلام وهذه كالسور مضـروبًا له والخندق من ذلك استدلاله بقوله سبحانه: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ﴾ [الحج: 52]. قال: «فعطف النبي على الرسول والعطف يقتضي المغايرة، ففيه دليل على التغاير بين النبي والرسول».. انتهـى. فيا سبحان الله، لا أدري في أي كتاب من كتب النحو وجد أن العطف بالواو يقتضي المغايرة، فإننا لم نر من فسر العطف بالواو على ذلك. وإنما حقيقة قول النحاة: أن العطف بالواو لمطلق الجمع للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم، وهي من باب عطف الشيء على مصاحبه في الحقيقة أو المعنى، كقوله سبحانه: ﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ﴾ [البقرة: 238]. فعطف الصلاة الوسطى على الصلوات الخمس التي أمر بالمحافظة عليها جميعها ومنها الصلاة الوسطى.. وهي صلاة العصر على القول الصحيح، وخصها بالذكر لمزيد فضلها ويسمونه من عطف الخاص على العام، إذ الكل جنس واحد، وقد أمروا بالمحافظة عليها جميعها، ويسمونه هذا من عطف الشيء على مرادفه وجنسه. نظيره قوله سبحانه: ﴿مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّلَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ ٩٨﴾ [البقرة: 98]. فعطف جبريل وميكال على الملائكة وهما من جنسهم. ومثله قوله: ﴿وَمَن يَكۡسِبۡ خَطِيٓ‍َٔةً أَوۡ إِثۡمٗا ثُمَّ يَرۡمِ بِهِۦ بَرِيٓ‍ٔٗا فَقَدِ ٱحۡتَمَلَ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا ١١٢﴾ [النساء: 112]. فعطف الإثم على الخطيئة والخطيئة إثم والإثم خطيئة. نظيره قوله سبحانه: ﴿وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ﴾ [النحل: 90]. فعطف المنكر على الفحشاء، والمنكر من الفحشاء كما عطف البغي على المنكر وهو منكر. ويقول العلماء: إنه من عطف الشيء على مرادفه وجنسه، ففي الأول معنى الثاني، وفي الثاني معنى الأول.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - القول السديد في تحقيق الأمر المفيد / [ المدرك الاول: أن الرسول والنبي اسمان لمعنيين. وضعف هذا الاعتراض ] - المجلد (1)