قصة وعبرة

إنه ما بخل أحد بالزكاة الواجبة، إلا عاجلته الحسرة والندامة قبل خروجه من الدنيا، فيندم حيث لا ينفعه الندم، ﴿يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي ٢٤﴾ [الفجر: 24]. وهنا قصة هي لنا بمثابة العظة والعبرة، وخير الناس من وعظ بغيره؛ عاد الحسن البصري رجلاً يدعى عبد الله بن الأهتم، وكان تاجرًا لكنه شديد البخل، فرآه يضطرب ويحوقل، قال: ما هذا الاضطراب معك، أمن وجع تشتكيه؟ فقال: لا والله، ولكنني أفكر في مئة ألف دينار في زاوية هذه الدار، لم أؤد منها زكاة، ولم أصل منها رحمًا، ولم أقم بواجب حق الله فيها، وقد عرفت أنني سأعذب بها، فقال له: ثكلتك أُمك، ولمن كنت تجمعها وتمنعها؟ قال: جمعتها لروعة الزمان، وجفوة السلطان، ومكاثرة العشيرة. ثم إنه قدّر أن يموت من مرض، فشهد الحسن جنازته، فلما أتى المقبرة ألقى الموعظة على حسب عادته في نشر الحكمة والموعظة الحسنة، فقال: انظروا إلى هذا المسكين، أتاه شيطانه فخوفه روعة زمانه، وجفوة سلطانه، انظروا إليه، خرج من الدنيا مذؤمًا مدحورًا، لا خيرًا قدمه، ولا إثمًا سلم منه. ثم التفت إلى الوارث فقال: أيها الوارث، لا تُخدعنَّ كما خُدع صاحبك بالأمس، إن هذا المال أتاك حلالا، فلا يكونن عليك وبالا، وأتاك عفوًا صفوًا ممن كان جموعًا منوعًا، من باطل جمعه، وعن حق منعه، قطع فيه لجج البحار، ومفاوز القفار، لم تكدح لك فيه يمين، ولم يعرق لك جبين، واعلم أن يوم القيامة ذو حسرات، وأكبر الناس حسرة رجل رأى ماله في ميزان غيره، سعد به وارثه، وشقي به جامعه، فيا لها حسرة لا تزال، وعثرة لا تقال. انتهى.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الاشتراكية الماركسية ومقاصدها السيئة / " شكر نعمة الغنى بالمال " - المجلد (3)