لا أصل للتفرقة بين النبي والرسول
إن هذا التقسيم بصفة التفريق بين الرسول والنبي قد شاع على ألسنة العلماء والعوام حتى ألحقوه بعقائد الإسلام وكأنه لا خلاف فيه بين الخاص والعام، وهو ليس له أصل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من قول الصحابة، لأنه بمقتضى التتبع والاستقراء لكتب الصحاح والسنن وآثار الصحابة لم نجد لهذا القول أصلاً يعتمد عليه ولا نظيرًا يقاس عليه، وأسبق من رأيناه تكلم بهذا التفريق هو العلامة ابن كثير في التفسير على قوله تعالى: ﴿وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّۧنَۗ﴾ [الأحزاب:40] من سورة الأحزاب قال: فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، فإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بالطريق الأوْلى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي ولا ينعكس... انتهى.
فهذا الكلام وقع من ابن كثير رحمه الله ولم يسنده. والطريقة أن كلام العلماء يستدل لها ولا يستدل بها؛ إذ كلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ، فكلام العلماء يساق للتقوية والاعتضاد لا للاعتماد.
وكأنهم أخذوه من مفهوم قوله تعالى: ﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٢ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ ٥﴾ [العلق: 1-5]. فقالوا: إنه ليس في السورة صريح الأمر بالدعوة وتبليغ الرسالة، إذ هي محض تعليم له خاصة فصار به نبيًّا لا رسولاً.
أما سورة ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ١ قُمۡ فَأَنذِرۡ ٢﴾ فإن فيها صريح الأمر بالدعوة والإنذار والتحذير فصار بها نبيًّا رسولاً. هذا حاصل ما يقولون وبه يعتقدون.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - إتحاف الأحفياء برسالة الأنبياء / " التفريق بين الرسول والنبي ليس له أصل في الكتاب أو السنة " - المجلد (1)