الحكم والمصالح التي اشتمل عليها صلح الحديبية

وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في بيان الحكم والمصالح التي اشتملت عليها هذه المصالحة، وأن الله سبحانه هو الذي أحكم أسبابها، فوقعت بالغاية على الوجه الذي اقتضته حكمته وحمده ورحمته، وسماها الله فتحًا، فقال سبحانه: ﴿إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا ١﴾ [الفتح: 1] - يعني صلح الحديبية- فمنها أنها كانت مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي أعز الله به رسوله وجنده ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فكانت هذه الهدنة بابًا له ومفتاحًا ومؤذنًا بين يديه، وهذه حكمة الله سبحانه في الأمور العظام التي يقضيها قدرًا وشرعًا أن يوطئ لها بين يديها مقدمات وتوطئات تؤذن بها وتدل عليها. ومنها أن هذه الهدنة كانت من أعظم الفتوح، فإن الناس آمن بعضهم بعضًا واختلط المسلمون بالكفار ونادوهم بالدعوة وأسمعوهم القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين، وظهر من كان مختفيًا بالإسلام، ودخل فيه في مدة الهدنة من شاء الله له أن يدخل، ولهذا سماه الله فتحًا، فقال سبحانه: ﴿إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا ١﴾، والمراد به صلح الحديبية. قال ابن قتيبة: قضينا لك قضاء عظيمًا. وقال مجاهد: هو ما قضى الله له بالحديبية.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الملحق بكتاب الجهاد المشروع في الإسلام / "جواز الصلح والمعاهدة والمهادنة بين المسلمين والمشركين" - المجلد (3)