إنكار القرآن على الملحدين المكذبين بالبعث
إن بعض الملحدين المكذبين بالبعث، يستبعدون وقوعه وإمكانيته، حيث رسخ في قلوبهم عقيدة الدهريين، ويسمون بالطبيعيين، أي ينسبون الحياة والموت للطبيعة، ويقولون: ما هو إلا رحم يدفع، وأرض تبلع، ولا حياة بعدها. فهم لا يرجون لقاء ربهم، ولا يخافون عذابه، وقد أكد الله ذلك، وقرر الإنكار عليهم في كثير من الآيات، قال سبحانه: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ ٧ أُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ٨﴾ [يونس: 7-8]. وقال: ﴿أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ ١١٥﴾ [المؤمنون: 115]. فبدأ الآية باستفهام الإنكار عليهم في فساد اعتقادهم، نظيره قوله سبحانه: ﴿أَوَ لَيۡسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّٰقُ ٱلۡعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيًۡٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢ فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٨٣﴾ [يس: 81-83]. وقال سبحانه: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ ٧٨ قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ ٧٩﴾ [يس: 78-79]. وإن الله سبحانه قد أكثر في كتابه من الإنكار على المكذبين بالبعث بفنون من التعبير، فقال: ﴿أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ ١ فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ ٢ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ ٣﴾ [الماعون: 1-3]. فدلت هذه الآية دلالة واضحة على أنه متى فسد الاعتقاد، فسد العمل وساءت النتيجة. فهذا الكافر المكذب بالبعث، الذي لا يرجو ثوابًا على حسناته، ولا عقابًا على عصيانه، فنتج عن سوء اعتقاده فساد أعماله، فتراه يدعّ اليتيم -أي يدفعه بعنف وشدة- ليس في قلبه إحسان ولا حنان ولا شفقة، لأنه لا يؤمن بالثواب على إحسانه، ولا يخاف العقاب على إساءته، فكان جديرًا بكل شر، بعيدًا عن كل خير، وعادم الخير لا يعطيه، وكل إناء ينضح بما فيه.
وللخير أهل يُعرفون بهديهم
إذا اجتمعت عند الخطوب المجامع
وللشـر أهل يُعرفون بشكلهم
تشير إليهم بالفجور الأصابع
يقول الله تعالى: ﴿وَمَآ أَدۡرَاكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ ١٧ ثُمَّ مَآ أَدۡرَاكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ ١٨ يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ ١٩﴾ [الإنفطار: 17-19]. فسمى الله القيامة بيوم الدين لأن كل إنسان يدان -أي يجازى- بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - البراهين والبينات في تحقيق البعث بعد الوفاة / " أثر الإيمان بالبعث على الإنسان " - المجلد 1