تفسير ابن كثير لقوله تعالى: ﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ﴾

ودونك ما ذكره العلامة ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ﴾ قال: هذه الآية الكريمة رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته وإن طلقها مائة مرة ما دامت في العدة، فلما كان هذا فيه ضرر على الزوجات، قصرهم الله على ثلاث طلقات، وأباح الرَّجعة في المرة والثنتين، وأبانها بالكلية في الثالثة، قال: ﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ﴾ [البقرة: 229]. قال أبو داود رحمه الله في سننه: باب نسخ المراجعة بعد الطلقات الثلاث: عن عكرمة عن ابن عباس: ﴿وَٱلۡمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٖۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكۡتُمۡنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيٓ أَرۡحَامِهِنَّ﴾ [البقرة: 228]. الآية، وذلك أن الرجل إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثًا، فنسخ ذلك فقال: ﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ﴾ الآية، وقال ابن أبي حاتم عن هشام بن عروة عن أبيه: إن رجلاً قال لامرأته: لا أطلقك أبدًا. قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلق حتى إذا دنا أجلكِ راجعتكِ. فأتت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له، فأنزل الله عز وجل: ﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ﴾ وهكذا رواه ابن جرير في تفسيره، ورواه عبد بن حميد في تفسيره عن جعفر بن عون كلهم عن هشام عن أبيه قال: كان الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلقها ما شاء، ما دامت في العدة، وإن رجلاً من الأنصار غضب على امرأته فقال: لا آويك ولا أفارقك. قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك. فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله عز وجل: ﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ﴾ قال: فاستقبل الناس الطلاق، من كان طلّق ومن لم يكن طلّق. وروي عن عائشة أنها قالت: لم يكن للطلاق وقت، يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدة، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس، فقال: لأتركنّكِ لا أيِّمًا ولا ذات زوج. فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها، ففعل ذلك مرارًا. فأنزل الله عز وجل فيه: ﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ﴾ فوقت الطلاق ثلاثًا لا رجعة فيه بعد الثالثة حتى تنكح زوجًا غيره. واختار ابن جرير أن هذا تفسير هذه الآية وقوله: ﴿فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ﴾ أي إذا طلقتها واحدة أو اثنتين فأنت مخير فيها ما دامت عدتها باقية، بين أن تردّها إليك ناويًا الإصلاح بها والإحسان إليها، وبين أن تتركها حتى تنقضي عدتُها فتبين منك، وتطلق سراحها مُحسنًا إليها لا تظلمها من حقها شيئًا ولا تضارَّ بها. وقال ابن أي حاتم عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن سميع قال: سمعت أبا رزين يقول: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله عز وجل: ﴿فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ﴾ أين الثالثة؟ قال: «التسريح بإحسان الثالثة» ورواه الإمام أحمد أيضًا.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الحكم الشرعي في الطلاق السني والبدعي " / الطـلاق مـرتـان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان || المجلد 2