الاستثناء في الإيمان

جرى في العقائد السلفية القول بالاستثناء في الإيمان دون الإسلام، بحيث يقول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله. قال السفاريني في عقيدته: ونحن في إيماننا نستثني من غير شك فاستمع واسْتَبْنِ وهذا الاستثناء في الإيمان ليس له أصل، غير أن العلماء أدخلوه في العقيدة، فأخذوا يتناقلونه بينهم، فمتى علم الرجل من نفسه أنه يؤمن بالله، ويصدق بوجود الرب وملائكته، وكتبه، ورسله، ويؤمن بالبعث بعد الموت، وبالجنة، والنار، فلا مانع من إخباره بإيمانه على سبيل الجزم، لقوله سبحانه: ﴿قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ١٣٦﴾ [البقرة: 136]. ولم يقل: قولوا: آمنا بالله إن شاء الله. وقد قال النبي ﷺ: «كيف أصبحت يا حارثة؟» قال: أصبحت مؤمنًا حقًّا. فقال: «انظر ما تقول، فإن لكل قول حقيقة». فقال: يا رسول الله، عَزَفتْ نفسي عن الشهوات، وأسهرت ليلي بالقيام، وأظمأت نهاري بالصيام، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتنعمون فيها، وإلى أهل النار في النار يعذبون فيها. فقال: «عبد نوّر الله قلبه». قال ابن رجب: روي هذا الحديث متصلاً ومرسلاً، والمرسل أصح. ولما قدم وفد الأزد على النبي ﷺ وقال لهم: «ما أنتم؟» قالوا: نحن مؤمنون. فقال: «إن لكل قول حقيقة، فما حقيقة إيمانكم؟» قالوا: خمس عشرة خصلة يا رسول الله.... فذكروا له شرائع الإسلام الخمس، وأركان الإيمان، وما تخلقوا به من فعل الخير، ذكره العلامة ابن القيم، في كتاب الوفود من زاد المعاد. والشاهد: أن النبي ﷺ لم ينكر عليهم جزمهم بالإيمان، ولأن الاستثناء في الشيء الموجود، أو الماضي لا محل له، فلا يسوغ أن يقول: صمت أمس الماضي إن شاء الله، ولا تصدقت بصدقة في الأمس الماضي إن شاء الله، إذ لا محل للاستثناء هنا، وإنما يستثنى في الأمر المستقبل الذي قد يفعله، ويعان عليه، أو لا يفعله، ولا يعان عليه، كما قال سبحانه: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَايۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا ٢٣ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ﴾ [الكهف: 23-24]. وقال: ﴿لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [الفتح: 27]. والنبيﷺ قال: «والله لأغزون قريشًا، والله لأغزون قريشًا» وفي الثالثة قال: «إن شاء الله».
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - تثقيف الأذهان بعقيدة الإسلام والإيمان [حقيقة الإسلام والإيمان] - المجلد (1)