تحقيق حديث أم سلمة المحمول على المهدي

روى أبو داود في سننه عن أم سلمة: أن رسول الله ﷺ قال: «يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربًا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن و المقام، ويُبعث إليه بعث من الشام، فتخسف بهم البيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك آتاه أبدال الشام، وعصائب أهل العراق، فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش، أخواله كلب فيبعث إليهم بعثًا، فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب -أو قال: بيعة كلب- فيقسم المال، ويعمل في الناس بسنة نبيه، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض، فيلبث سبع سنين، تم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون». فالجواب: إن هذا الحديث ليس بصحيح ولا بصريح، وليس للمهدي فيه سوى ذكر رجل خرج هاربًا من المدينة إلى مكة، ويبعد كل البعد أن يصدر هذا الخبر عن أم سلمة، فإنها ليست معروفة برواية الحديث كهذا، وبطلانه يظهر من دراسته، ولقد صرح السيوطي في كتاب اللآليء المصنوعة بأنه موضوع، والموضوع: هو المكذوب على الرسول. وكم خليفة قد مات فوقع من بعده اختلاف، ولما قتل ابن الزبير ألزم الحجاج الناس بأن يبايعوا لعبد الملك بن مروان بين الركن والمقام، أفيقال: إنه هو؟ ولأن حوادث الزمان لا تنضبط، وليس من شأن الرسول، ولا من شأن عالَم الغيب، أن يخبر أمته بكل حادثة تحدث من بعد موته إلى يوم القيامة، وقد رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية كلامًا ينكر فيه حديث أبدال الشام ورايات العراق، ويقول: إنه لا صحة له. وقد أخبر النبي ﷺ أنه يؤخذ بأناس من أمته ذات الشمال «فأقول: يا رب أمتي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: بعدًا وسحقًا لمن غيّر بعدي، أقول كما قال العبد الصالح: ﴿مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَآ أَمَرۡتَنِي بِهِۦٓ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ ١١٧﴾ [المائدة: 117]» . وأما قوله في الرجل الذي من قريش والذي يبايعه الناس: «ثم يلقي الإسلام بجرانه بين الناس سبع سنين، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون». فكم من رجل من قريش تولى الحكم على الناس، وألقى الإسلام بجرانه في زمانه، واجتمعت عليهم كلمته واستفادوا في زمانه بالإيمان والأمان وزيادة الاطمئنان، ثم نشر العدل في جميع الأوطان، ومكث في ولايته سنين طويلة دون أن يسمى المهدي. أما هذا الرجل الذي لا يمكث في ولايته على الناس إلا سبع سنين فإنه فيء زائل. وكيف يملأ الأرض عدلاً في سبع سنين، وقد ملئت جورًا وكفرًا؟ فهل يغزو الناس بالأحلام في المنامات، أو يغزو الناس بالملائكة أو بالجن؟ وهل هذا الرجل أفضل من رسول الله ﷺ، الذي جادل وجاهد وصبر على اللأواء والضنك والشدة، وأوذي في الله، وشج رأسه، وكسرت رباعيته، ومشى على طريق السنن المعتادة، واستقام على ذلك ثلاثًا وعشرين سنة، ولم يتمكن من ملء الأرض عدلاً إلا في الجزيرة العربية، التي هي بمثابة النقطة بالنسبة إلى سعة الدنيا، ومتى صدقنا بهذا الحديث فإننا نكون ممن يفضل هذا الرجل على النبي محمد ﷺ، مع العلم أنه لم يذكر اسم المهدي فيه، فسقط الاستدلال به، إذ الرجل مبهم، وتعيين شخص معين هو تحكم بغير علم، إذ هذا يعود إلى علم الغيب.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - لا مهدي يُنتظر بعد الرسول محمد ﷺ خير البشر / التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر - المجلد 1