ملاحظات توجب رد الأحاديث الواردة في المهدي
إن المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين، قد أخضعوا هذه الأحاديث للتصحيح والتمحيص، وللجرح والتعديل، فأدركوا فيها من الملاحظات ما يوجب عليهم ردها وعدم قبولها، لأمور:
منها: أن النبي ﷺ بُعث بدين كامل، وشرع شامل، مبني على جلب المصالح وتكثيرها، ودفع المضار وتقليلها، ومن المعلوم أن اعتقاد المهدي، والقول بصحة خروجه يترتب عليه من المضار والمفاسد الكبار، ومن إثارة الفتن، وسفك دماء الأبرياء، ما يشهد بعظمته التاريخ المدروس، والواقع المحسوس، من كل ما يبرأ النبي ﷺ عن الإتيان به، إذ الدين كامل بدونه.
ومنها: أن المهدي الذي يزعمون صحة خروجه، أن اسمه محمد بن عبد الله، وأن صفته أجلى الجبهة، أقنى الأنف. وهذه التسمية بهذه الصفة توجد بكثرة في الطوائف المنتسبين إلى الحسن والحسين، فلا تعطي يقينًا في التعيين، فمتى أتى من انطبعت فيه هذه الأوصاف، وقال: إنني أنا المهدي. فعند ذلك يقع المحذور من إثارة الفتنة بين مصدق به ومكذب، وبين محب ومحارب، فيكون اعتقاده شقاء على العباد طول حياتهم، لوقوع الاشتباه فيه دائمًا، مما يتنافى مع الدين الذي جعله الله رحمة للخلق أجمعين، فقال سبحانه: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧﴾ [الأنبياء:107]. ومنها: أنه من الأمر المحال أن يوجب النبي ﷺ على أمته التصديق برجل من بني آدم، مجهول في عالم الغيب، وهو ليس بملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا يأتي بدين جديد من ربه مما يجب الإيمان به، والعمل بموجبه، ثم يترك أمته يتقاتلون على حساب تصديقه والتكذيب به، فإن هذا من الأمر المنافي لسنته وحكمة رسالته، ﴿عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٢٨﴾ [التوبة: 128].
ومنها: أننا لسنا بأول من رد هذه الأحاديث، فقد أنكرها بعض العلماء قبلنا، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج بعد ذكره لأحاديث المهدي:
إن هذه الأحاديث في المهدي قد غلط فيها طوائف من العلماء، فطائفة أنكروها مما يدل على أنها موضع خلاف من قديم بين العلماء، كما هو الواقع من اختلاف العلماء في هذا الزمان.
ومنها: أن هذه الأحاديث لم يأخذها البخاري ومسلم، ولم يدخلاها في كتابيهما، مع رواجها في زمنهما، وما ذاك إلا لعدم ثبوتها عندهما، كما أنه ليس للمهدي ذكر في القرآن، مما يقلل الاحتفال به.
ومنها: تناقض هذه الأحاديث وتعارضها في موضوعها، فمهدي اسمه اسم الرسول، واسم أبيه اسم أبيه، ومهدي اسمه أبو عبد الله، ومهدي يشبه الرسول في الخلق، ولا يشبهه في الخلق، ومهدي يصلحه الله في ليلة، ورجل يخرج هاربًا من المدينة إلى مكة، فيبايع له بين الركن والمقام، ورجل اسمه الحارث بن حران، يوطئ أو يمكّن لآل محمد، ورجل يخرج من وراء النهر، ورجل يبايع له بعد وقوع فتنة عند موت خليفة، ورجل أخواله كلب، وتأتيه الرايات السود من قبل العراق، وأبدال الشام، ومهدي يصلي عيسى ابن مريم خلفه، ومهدي يقال له بحضرة نبي الله عيسى: صل أيها الأمير، فيقول: كل إنسان أمير نفسه، تكرمة الله لهذه الأمة.
فهذه وما هو أكثر منها، مما جعلت المحققين من العلماء يوقنون بأنها موضوعة على لسان رسول الله ﷺ، وأنها لم تخرج من مشكاة نبوته، وليست من كلامه، فلا يجوز النظر فيها، فضلاً عن تصديقها.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - لا مهدي يُنتظر بعد الرسول محمد ﷺ خير البشر / خطبة الرسالة - المجلد 1