نفي الكمال لا يستلزم نفي الأصل

فمن يتسمى بالإسلام أو الإيمان، وهو لا يصلي الصلوات الخمس المفروضة، ولا يؤدي الزكاة الواجبة، ولا يصوم رمضان، فلا شك أن إسلامه مزيف مغشوش لا حقيقة له، ما هو إلا إسلام باللسان، يكذبه الحس والوجدان، والسنّة والقرآن. ومن ادعى ما ليس فيه فضحته شواهد الامتحان. يقول الله: ﴿۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ﴾ [المائدة: 41]. ومثله قول النبي ﷺ: «لا يؤمن من لا يَأْمن جارُه بوائقَه»، وكذلك قوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، فكله نفي لكمال الإيمان وليس نفيًا للإيمان بالكلية. ومثله قول النبي ﷺ: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» رواه أهل السنن، من حديث ابن عمر وفضالة بن عبيد، فإنه يعني بذلك: كمال الإسلام والإيمان، وإلا فمن المعلوم أن السلامة من اليد واللسان، والأمن على الدماء والأموال، هو أمر يتصف به المسلم والكافر على السواء. نظيره حديث: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» فهذا نفي لكمال الصلاة أيضًا، وليس بنفي للصلاة من أصلها. فقد قال الفقهاء بجواز صلاته، وكونها تؤدي فريضته. فتشبث الخوارج بمثل هذه الآية السابقة، وبمثل هذه الأحاديث. ثم حدث بعدهم خلاف المعتزلة في قولهم بالمنزلة بين المنزلتين؛ يعني أن مرتكب الكبيرة ليس بكافر ولا مسلم. ثم حدث خلاف المرجئة، وقولهم: إن الفاسق مؤمن كامل الإيمان. ﴿فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ ٢١٣﴾ [البقرة: 213]. فقالوا: المسلم مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته. وربما قالوا: المسلم العاصي ناقص الإيمان.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - تثقيف الأذهان بعقيدة الإسلام والإيمان / " أول اختلاف وقع زمن الصحابة في مرتكب الكبائر " - المجلد (1)