تفسير ابن كثير لآيات الطلاق

قال ابن كثير: خوطب النبي ﷺ أولاً تشريفًا وتكريمًا، ثم خاطب الأمة تبعًا فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا ١﴾ [الطلاق: 1]. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن ثواب بن سعيد الهباري حدثنا أسباط بن محمد، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: طلق رسول الله ﷺ حفصة فأتت أهلها، فأنزل الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا ١﴾ [الطلاق: 1]. فقيل له: راجعها فإنها صوامة قوامة، وهي من أزواجك ونسائك في الجنة. رواه ابن جرير عن ابن بشار عن عبد الأعلى. وروى البخاري في صحيحه عن ابن شهاب، أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر أخبره أنه طلق امرأة له وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله ﷺ، فتغيظ رسول الله ﷺ منه، ثم قال: «ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر. فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله بها عز وجل». وفي رواية لمسلم: «فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء» . ثم ساق حديث علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ قال: لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه، ولكن يتركها، إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة. وقال ابن كثير: من ههنا أخذ الفقهاء أحكام الطلاق، وقسموه إلى طلاق السنة وطلاق البدعة، فطلاق السنة: أن يطلقها طاهرة من غير جماع أو حاملاً قد استبان حملها. والبدعي: أن يطلقها في حال الحيض، أو في طهر قد جامعها فيه، ولا يدري أحملت أم لا، وطلاق ثالث لا سنة ولا بدعة وهو طلاق الصغيرة والآيسة وغير المدخول بها. وقوله: ﴿ لا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ ﴾ [الطلاق: 1]. لكونها معتقلة لحق الزوج أيضًا. ثم قال: ﴿وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ﴾ أي شرائعه ومحارمه ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ﴾ أي يخرج عنها ويتجاوزها إلى غيرها ولا يأتمر بها ﴿وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ﴾. ﴿فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ﴾ أي بفعل ذلك. وقوله تعالى: ﴿لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا ١﴾ [الطلاق: 1]. أي إنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة لعل الزوج يندم على طلاقها، ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها، فيكون ذلك أيسر وأسهل: وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا قال الشعبي: هي الرجعة. وقوله: ﴿وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ﴾ [الطلاق: 2]. قال عطاء: لا يجوز في نكاح، ولا طلاق، ولا إرجاع، إلا شاهدا عدل. وعن عمران بن حصين أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا رجعتها، فقال: طَلَّقْتَ لغير سنة، وراجعت لغير سنة، وأشهِدْ على طلاقها وعلى رجعتها ولا تَعُدْ . ثم قال: ﴿وَٱلَّٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ﴾ [الطلاق: 4]. فهذه أنواع المعتدّات على اختلاف أجناسهن. انتهـى.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الحكم الشرعي في الطلاق السني والبدعي " / تفسير ابن كثير لآيات الطلاق || المجلد 2