حكم الأخذ من الشعر و الأظافر في العشر من ذي الحجة لمن أراد أن يضحي

____ فتوى الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله __ وهنا حديث رواه مسلم عن أم سلمة أن النبي ﷺ قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن أخذ شعره وأظفاره». وهذا الحديث قد اختلف العلماء فيه؛ فمنهم من حمل النهي على الكراهة كما هو الظاهر من مذهب الشافعي ومالك، ورواية عن الإمام أحمد، والكراهة تزول بأدنى حاجة. وقال أبو حنيفة: لا يكره أخذ الشعر ولا الظفر، كما لا يكره ملامسة النساء والطيب والثياب. وقال كثير من فقهاء الحنابلة: إن النهي للكراهة، ورجحه في الإنصاف، وقد أنكرت عائشة على أم سلمة هذا الحديث، وقالت، إنما قاله رسول الله ﷺ في حق من أحرم بالحج، وقد فتلت هدي قلائد النبي ﷺ، فلم يمتنع عن شيء كان يفعله. فمتى قلنا إن النهي للكراهة - وهو الصحيح - فإن الكراهة تزول بأدنى حاجة، وقد شاع واشتهر عند العامة، أن كل من أخذ من شعر رأسه، أو قلم أظافره، فإنه لا يجوز له أضحية، وهذا خطأ. ولم يقل به أحد من العلماء. وعلى كلا القولين فإنه لو أخذ الشخص شيئًا من شعر رأسه، أو لحيته أو أظافره في عشر ذي الحجة، ثم أراد أن يضحي فإنه يجوز له أن يضحي، وأضحيته صحيحة بإجماع أهل العلم، وكذلك المرأة لو نقضت شعر رأسها فتساقط منه شعر، فإن ذلك لا يمنعها من فعل الأضحية، بل تضحي وأضحيتها صحيحة. ويجوز لها استعمال الطيب والحناء والخضاب، وكل شيء في عشر ذي الحجة[396]. والأفضل الإمساك عن أخذ الشعر والظفر فإن فعل لم يمنع من فعل الأضحية. وما شاع على ألسنة العامة في هذه البلاد من قولهم إن من أراد أن يضحي فإنه ينبغي له أن يحرم فهذا قول باطل ولا صحة له، فلا إحرام إلا لمن أراد أن يحج أو يعتمر، وحتى صار الكثير من الناس يمتنعون عن الأضحية عند أخذهم لشيء من الشعر لظنهم أنها لا تصح أضحيتهم، فلو كان الكف عن أخذ الشعر والظفر واجبًا في حق كل من يضحي، لما خفيت على عائشة أم المؤمنين، وهي في بيت رسول الله ﷺ، وهي أفقه وأعلم بالسنة من أم سلمة. ورسول الله ﷺ كان يضحي كل سنة عنه، وعن أهل بيته. فمثله لا يخفى لو كان صحيحًا. وقد اعترضت عائشة على أم سلمة في هذا الحديث. وقالت: إنما قاله رسول الله ﷺ في حق من أحرم بالحج. وهذا معقول المعنى؛ فإن الحاج إذا أحرم لا يجوز له أن يأخذ شيئًا من شعره ولا أظافره. وحسبك في فضل الأضحية أن للمضحي بكل شعرة حسنة، حتى من الصوف، كما في حديث زيد بن أرقم قال: «قلنا، أو قالوا: يا رسول الله مَا هَذِهِ الأَضَاحِىُّ قَالَ «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ». قَالُوا فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ». قَالُوا فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ»»
من كتاب "الحكم الجامعة لشتى العلوم النافعة - المجلد السادس" للشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله