رأي ابن القيم في الطلاق بالثلاث

ذكر العلامة ابن القيّم أيضًا: أنه قد صح عنه ﷺ أن الثلاث كانت واحدة في عهده وعهد أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، وأن الصحابة كانوا على ذلك، وأنهم كانوا يفتون به في حياته وحياة الصديق... وقد أفتى هو ﷺ به. فهذه فتواه وعمل أصحابه كأنه أَخذٌ باليد، ولا معارض لذلك، ورأى عمر رضي الله عنه أن يحمل الناس على إنفاذ الثلاث عقوبة وزجرًا لهم، لئلا يرسلوها جملة، وهذا اجتهاد منه، غايته أن يكون سائغًا لمصلحة رآها، ولا يجوز ترك ما أفتى به رسول الله ﷺ وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته، فإذا ظهرت الحقائق فليقل امرؤ ما شاء. وبالله التوفيق. وقال في موضع آخر: هذا كتاب الله تعالى، وهذه سنة رسول الله ﷺ، وهذه لغة العرب، وهذا عرف التخاطب، وهذا خليفة رسول الله ﷺ والصحابة كلهم معه في عصره وثلاث سنين من عصر عمر على هذا المذهب، فلو عدّهم العاد بأسمائهم واحدًا واحدًا، لوَجَد أنهم كانوا يرون الثلاث واحدة، إما بفتوى وإما وبإقرار عليها. ولو فرض منهم من لم يكن يرى ذلك، فإنه لم يكن منكرًا للفتوى به، بل كانوا ما بين مفت ومقر بفتيا وساكت غير منكر. وهذا حال كل صحابي من عهد الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر، فكل صحابي كان على أن الثلاث واحدة بفتوى أو إقرار أو سكوت، وقد ادعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم، ولم تجمع الأمة - ولله الحمد - على خلافه، بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنًا بعد قرن وإلى يومنا هذا. فأفتى به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس، كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: إذا قال: أنت طالق ثلاثًا. بفم واحد؛ فهي واحدة. وأفتى بأنها واحدة الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف. وأما التابعون فأفتى به محمد بن إسحاق وخلاس بن عمرو والحارس العكلي. وأما أتباع تابعي التابعين فأفتى به داود بن علي وأكثر أصحابه، وأفتى به بعض أصحاب مالك، وأفتى به بعض الحنفية، وأفتى به بعض أصحاب أحمد. والمقصود أن هذا القول قد دل عليه الكتاب والسنة والقياس والإجماع القديم، ولم يأت بعده إجماع يبطله. والذي ندين الله تعالى به ولا يسعنا غيره أن الحديث إذا صح عن رسول اللهﷺ ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه. ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنًا من كان. انتهـى حاصله.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الحكم الشرعي في الطلاق السني والبدعي " / فتوى ابن عباس في وقوع الطلاق بالثلاث || المجلد (2)