ما بخل أحد بالزكاة الواجبة، إلا عاجلته الحسرة والندامة قبل خروجه من الدنيا

إنه ما بخل أحد بالزكاة الواجبة، إلا عاجلته الحسرة والندامة قبل خروجه من الدنيا. وهنا قصة هي بمثابة العظة والعبرة، وخير الناس من وعظ بغيره: عاد الحسن البصري رجلاً يدعى عبد الله بن الأهتم، وكان تاجرًا لكنه شديد البخل فرآه يضطرب ويحوقل، فقال: ما هذا الاضطراب معك، أمن وجع تشتكيه؟ فقال: لا والله، ولكنني أفكر في مائة دينار في زاوية هذه الدار لم أؤد منها زكاة، ولم أصل منها رحمًا، ولم أقم بواجب حق الله فيها، وقد عرفت أنني سأعذب بها، فقال له: ثكلتك أمك، ولمن كنت تجمعها وتمنعها قال: جمعتها لروعة الزمان، وجفوة السلطان، ومكاثرة العشيرة. ثم إنه قدر أن يموت من مرضه فشهد الحسن جنازته، فلما أتى الـمقبرة ألقى الـموعظة على حسب عادته في نشر الحكمة والـموعظة الحسنة، فقال: انظروا إلى هذا الـمسكين، أتاه شيطانه فخوفه روعة زمانه، وجفوة سلطانه، انظروا إليه خرج من الدنيا مذؤوما مدحورًا، لا خيرًا قدمه، ولا إثمًا سلم منه، ثم التفت إلى الوارث. فقال: لا تخدعن كما خدع صاحبك بالأمس، إن هذا الـمال أتاك حلالاً، فلا يكونن عليك وبالاً، وأتاك عفوًا صفوًا ممن كان جموعًا منوعًا من باطل جمعه، وعن حق منعه، قطع فيه لجج البحار، ومفاوز القفار، لم تكدح لك فيه يمين، ولم تعرق لك جبين، واعلم أن يوم القيامة ذو حسرات، وأكبر الناس حسرة رجل رأى ماله في ميزان غيره، سعد به وارثه، وشقي به جامعه، فيا لها حسرة لا تزال، وعثرة لا تقال.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من مجلد " الحكم الجامعة (2) " / (59) الشكر وحقيقته وآثار بركته وحُسن عاقبته - المجلد (7)