سبب عدم جمع النبي ﷺ للقرآن في حياته
أما عدم جمع النبي ﷺ للقرآن في حياته، فإن الأمر فيه معقول، وذلك أن القرآن ينزل تدريجيًا منجمًا على حسب الوقائع وقد استحر نزوله وتتابع قرب وفاة رسول الله ﷺ فنزل عليه وهو واقف بعرفة ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا﴾ [المائدة: 3]. وليس بعد التمام إلا النقص وذلك في حجة الوداع، وأخذ يودع الناس فيها ويقول: «لعلكم لا تلقوني بعد عامي هذا» فسميت حجة الوداع من أجل ذلك.
ثم أنزل الله عليه في أوسط أيام التشريق سورة النصر ﴿إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ ١ وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا ٢ فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا ٣﴾ [سورةالنصر]. ففي هذه السورة إشعار باقتراب أجل رسول الله ﷺ، كما فسره بذلك ابن عباس، يعني يا محمد إذا جاء نصر الله والفتح: يعني فتح مكة، وكان العرب قد تريثوا في دخول الإسلام إلى فتح مكة ويقولون: إن كان نبيًّا فسيعلو قريشًا ويفتح مكة، وإن لم يكن نبيًّا فستغلبه قريش، فلما فتح مكة عنوة أخذ الناس يدخلون في الدين أفواجًا وسمي عام التسع بعام الوفود، وكان آخر ما نزل عليه من القرآن قوله تعالى: ﴿وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١﴾ [البقرة: 281]. من آخر سورة البقرة، وتوفي رسول الله ﷺ بعدها بتسع ليال، وهذا هو السبب لعدم جمعه للقرآن.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " كلمة الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق " / [رد سماحة الشيخ على رسالة: الاحتفال بذكر النعم واجب] - المجلد 4