قصة إسلام جبلة بن الأيهم

وقد اشتهر أهل الـمدينة بمحبتهم للغناء كما حكاه عنهم أبو الفرج الأصبهاني، وكانوا كثيرًا ما يتغنون بشعر جبلة بن الأيهم الغسّاني لكونه من الحنين إلى الوطن؛ لأن أكثر الـمغنيات هن من السبايا، وقصة جبلة بن الأيهم هي أن الغساسنة وهم ملوك الشام في قديم الزمان، لكنهـم كانوا تحت سلطة النصارى، ولما تدفقت جحافل الصحابة على بلاد الشام ومصر والعراق وسائر البلدان وأجلوا النصارى، دخل جبلة بن الأيهم في الإسلام علانية فحج زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعند الطواف بالبيت وطئ إزارَه رجلٌ من بني فزارة فانحل، فرفع جبلة يده فهشم أنف الفزاري، فشكاه إلى عمر، فقال له عمر: ما حملك على ذلك؟ القصاص بينكما. فقال له جبلة: أيقتص من الأشراف للسوقة؟ فقال له عمر: نعم، ساوى بينكما الإسلام. فقال: أمهلني حتى أعود. فقال: قد أمهلتك؟ فقام جبلة وأمر أصحابه بأن يشدوا على رحالهم، ورجع إلى بلده ففعلوا، فترك الحج عام ذلك، فندم أشد الندم وأنشد أبياته الشهيرة وهي: تَنصّـَرتِ الأشراف من عار لطمة وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تكنّفني منها لجاج ونخوة فبعت بها العين الصحيحة بالعور فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ثويت أسيرًا في ربيعة أو مضـر ويا ليتني أرعى الـمخاض بقفرة أجالس قومي بالعشيات والبكر ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة أجالس قومي عادم السمع والبصـر أدين بما دانوا به من شريعة ولم أنكر القول الذي قال لي عمر ولما بلغ عمر هذه الأبيات وجّه إليه رجلاً من أصحابه وهو جثامة بن مساحق الكناني، فلما انتهى إليه الرجل بكتاب عمر أجاب إلى كل شيء سوى الإسلام.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الغناء وما عسى أن يقال فيه من الحظر أو الإباحة " / [سؤال عن قول عمر رضي الله عنه: الغناء زاد المسافر. والجواب عنه] - المجلد (5)