شهادة الدكتور جوستاف لوبون على حسن معاملة المسلمين لغيرهم

قال الدكتور جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: سيرى القارئ حينما نبحث في فتوح العرب وأسباب انتصاراتهم أن القوة لم تكن هي العامل في انتشار الإسلام، ولكن العرب تركوا المغلوبين أحرارًا في أديانهم، فانتحل بعض الشعوب من النصارى دين الإسلام واتخذوا العربية لغة لهم ودينًا لما يتصف به العرب الغالبون من ضروب العدل الذي لا عهد للناس بمثله، ولما كان عليه دين الرسول من السهولة التي لم تعرفها الأديان الأخرى قبله. وقال أيضًا في موضع آخر: يمكن أن تُعمي فتوح العرب الأولى أبصار أناس فيقترفون ما يقترفه الفاتحون عادة ويسيئون معاملة المغلوبين ويكرهونهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبون في نشره في أنحاء العالم، ولو فعلوا ذلك لتألبت عليهم جميع الأمم. ولكن الخلفاء السابقين -أي الراشدين- الذين كان عندهم من العبقرية ما يندر وجوده في عادة الديانات، أدركوا أن النُّظم والأديان ليست مما يفرض قسرًا على الناس.. فعاملوا أهل سورية ومصر وأسبانيا وكل قطر استولوا عليه بلطف عظيم، تاركين لهم قوانينهم ونظمهم ومعتقداتهم، فارضين عليهم جزية زهيدة في مقابل حمايتهم لهم وحفظ الأمن بينهم. والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل قدماء المسلمين، فرحمتهم وتسامحهم كان من أسباب اتساع فتوحهم واعتناق الكثير من الأمم لدينهم ونظمهم ولغتهم التي رسخت وقاومت جميع الغارات، وبقيت قائمة ومخلدة حتى بعد تواري سلطان العرب عن مسرح العالم، وإن أنكر ذلك المؤرخون.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الملحق بكتاب الجهاد المشروع في الإسلام / " معاملة المسلمين للمخالفين لهم في الدّين " - المجلد (3)