قصة تنازع الموحد والملحد في حقيقة البعث بعد الموت
أخبر الله سبحانه في كتابه المبين عن رجلين قرينين اصطحبا في الدنيا أحدهما مؤمن بالله، يصدق بالبعث بعد الموت، للجزاء على الأعمال، ويصدق بالجنة، والنار، ويعمل عمله على حساب هذه العقيدة الحسنة، فيصلي ويصوم ويتصدق ويعمل سائر أعمال الخير، رجاء أن يثاب عليها في الآخرة.
والثاني: ملحد دهري، يكذب بالبعث بعد الموت، ويكذب بالجنة والنار، ويعمل عمله على حساب فساد عقيدته، فتراه لا يصلي ولا يصوم، ويرتكب كل ما يشتهي من المنكرات، وترك الطاعات، ولم تزل المناظرة الجدلية بينهما في الدنيا، بحيث إن كل واحد منهما يحاول إرجاع صاحبه إلى عقيدته، حتى سارت بهما ركاب منيتهما إلى الآخرة.
فجوزي المؤمن: بالفوز بالجنة، بفضل ربه ورحمته، جزاء وكرامة له على حسن عمله.
وأدخل المكذب بالبعث النار، جزاء على كفره، وتكذيبه بلقاء ربه، فبعد دخول المؤمـن الجنـة تـذكر صاحبه في الدنيا الذي لا زال يجادله في إنكار البعث بعد المـوت، وتمنى أن يعرف كيف كانت حـاله ومحله، وعاقبـة مصيـره. فقيل له: إن صاحبـك أدخل النار جزاء على كفره بلقاء ربه، فإن أحببت أن تراه وتخاطبه فإنه سهل ميُسّر، قال الله تعالى: ﴿فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَسَآءَلُونَ ٥٠ قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٞ ٥١﴾ -أي صديق في الدنيا- ﴿يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُصَدِّقِينَ ٥٢ أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ ٥٣﴾ -أي لمجزيون- إن هذا من الأمر المحال الذي لا صحة له، فيقـال للمؤمن: ﴿قَالَ هَلۡ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ ٥٤﴾ أي هل تحب أن تنظر إلى صاحبك وتراه كيف يعذب في النار. فيقول: نعم. قال: ﴿فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ ٥٥﴾ أي في وسط الجحيم يعذب فيها، فعند ذلك خاطبه المؤمن وقال له: ﴿قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرۡدِينِ ٥٦﴾ معك في العذاب لو أطعتك ﴿وَلَوۡلَا نِعۡمَةُ رَبِّي﴾ ورحمته بي ﴿لَكُنتُ﴾ معك ﴿مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ ٥٧﴾ في النار ﴿أَفَمَا نَحۡنُ بِمَيِّتِينَ ٥٨ إِلَّا مَوۡتَتَنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ ٥٩﴾ ثم قال سبحانه: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ٦٠ لِمِثۡلِ هَٰذَا فَلۡيَعۡمَلِ ٱلۡعَٰمِلُونَ ٦١﴾ [الصافات: 50-61].
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - البراهين والبينات في تحقيق البعث بعد الوفاة / " وقوع التنازع بين موحِّدٍ وملحد في حقيقة البعث بعد الموت " - المجلد 1