البدع تبدأ بالأفراد، ثم تشتهر وتنتشر بالجماعات

البدع كبدعة المولد وغيرها تبدأ بالأفراد، ثم تشتهر وتنتشر بالجماعات، فتنتقل من بلد إلى بلد، لكون الناس يقلد بعضهم بعضًا في الخير والشر، وفي نفوس الناس قبول للباطل، بحيث تألفه ويتمركز فيها محبته، وقد حُفت النار بالشهوات، كما حُفت الجنة بالمكاره. وكان أصحاب رسول الله ﷺ بمثابة الحماة دون دخول البدع على الدين؛ لأن كل بدعة تحدث، فإنه يُرفع مقابلها من السنة، فاقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة، فمن ذلك ما روى الدارمي، قال: أخبرنا الحكم بن مبارك، أنبأنا عمر بن يحيى، قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه، قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال: أ َخَرَج أبو عبد الرحمن؟ قلنا: لا، فجلس معنا فلما خرج ابن مسعود، قال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد أمرًا أنكرته. قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه. قال: رأيت في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا، في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصًى، فيقول: كبروا مائة؛ فيكبرون مائة، ويقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة؛ فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئًا أنتظر أمرك. قال: أفلا أمرتهم أن يحصوا سيئاتهم وضمنت لهم بأن لا يضيع شيء من حسناتهم. ثم مضى ووقف عليهم، فقال: يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون، والذي نفسي بيده إنكم مفتتحو باب ضلالة. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. فقال: وكم من مريد للخير لم يصبه. إن رسول الله ﷺ حدثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله لعل أكثرهم منكم. قال عمر بن سلمة: لقد رأينا عامة أولئك يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج، انتهى.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " كلمة الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق " / [رد سماحة الشيخ على رسالة: الاحتفال بذكر النعم واجب] - المجلد (4)