الرجال تُعرف بالحق، لا الحق بالرجال

من المعلوم أن الرجال تُعرف بالحق، لا الحق بالرجال، إذ الحق كالنهار ليله كنهاره. والنبي ﷺ قال: «ليبلِّغ الشاهد الغائب، فرب مُبلَّغ أوعى له من سامع». وقال: «نضَّر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه». مما يدل على أن العلم واستنباطه، وبيان حكمته وحل مشاكله، ليس مخصوصًا بالأولين دون الآخرين؛ فقد يظهر للمتأخرين من نصوصه والتفقه في حكمته، ما عسى أن يغفل عنه المتقدمون، فكم ترك أول لآخر. وتفاوتُ العلماء في أفهامهم في العلم فوق تفاوت الأبدان وفي البخاري عن معاوية أن النبي ﷺ قال: «من يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين». ولهذا فاق ابن عباس أكثر الصحابة في فهم النصوص واستنباطها، وحل مشاكل الآيات وبيانها، فكان من الطائفة الطيبة التي قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، فالناس يتمتعون باستنباطاته وكشف مشكلاته إلى يوم القيامة، ببركة دعوة النبي ﷺ له حيث قال: «اللهم فقههُ في الدين وعلمه التأويل». ومثله شيخ الإسلام ابن تيميّة الذي وُصف بأنه الإمام المجتهد رأس مدرسة تحرير العقول من الخرافات والبدع، والعالم الذي لا يُشق له غبار. ولا يزال الناس يتمتعون بثمار علمه وتعليمه حتى عند المعادين له من غير المسلمين، وكذا أمثاله من سائر العلماء المجتهدين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. ومن المعلوم أن الحق يبدو كرهًا وله تكون العاقبة والعاقبة للتقوى..
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الحكم الشرعي في الطلاق السني والبدعي " / مقدمة الرسالة || المجلد (2)