أمثلة من العلماء الذين خالفوا سائر الفقهاء
فهذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - قد خالف سائر الفقهاء، حتى الأئمة الأربعة في الوقف على الذرية، فحقق القول ببطلانه في رسالة ممتعة، ذكرها ابن القاسم في المجموع. وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية، قد خالف الأئمة فيما يزيد على سبع عشرة مسألة، بل أنهى برهان الدين ابن القيم مخالفته لبعضهم إلى ما يزيد عل خمسين مسألة، منها: الطلاق بالثلاث بلفظ واحد وكونها عن واحدة، ومنها: اليمين بالطلاق وأن فيه إذا حنث كفارة يمين، وقد شن شانئوه عليه من أجلها الغارات وعقدوا لقتله الجمعيات بعد الجمعيات، كفروه بحجة أنه خرق الإجماع العام وأباح للناس الفرج الحرام، ومع هذا كله فقد ازداد قوله نورًا، وعاد قول معاديه بورًا ورأيهم ثبورًا. ومن المسائل التي خالف الأئمة فيها كون المتمتع يكفيه سعي واحد كالقارن؛ لأن مسماهما في كتاب الله واحد، فالقارن اسم للمتمتع، كما أن المتمتع اسم للقارن، وأن هذا هو معنى قوله ﷺ: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة».
ومنها: المرأة التي حاضت قبل أن تطوف طواف الإفاضة، وخشيت على نفسها إن تخلفت عن رفقتها، فأفتاها بأن تطوف وهي حائض وبه يصح حجها.
فاستباح بهذه الفتوى نهييْن مؤكدين: أحدهما: دخولها المسجد الحرام وهي حائض، وقد قال النبي ﷺ: «إني لا أحل المسجد لحائض»، والثاني: طوافها قبل التطهر وانقطاع الموجب. وقد قال النبي ﷺ لعائشة: «افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري»؛ لأنه لدقيق فقهه وغوص فهمه يعلم أن هذه النصوص العمومية يدخلها التخصيص بالإباحة لسبب اقتضى ذلك، فتجعل المنهي عنه مأمورًا به، لقول الله تعالى: ﴿فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ﴾ [البقرة: 173] كالصلاة، فإن من شرطها الطهارة بالماء أو بالتيمم عند عدمه أو تعذر استعماله، وقد جوزوا لعادم الطهورين الصلاة على حسب حاله؛ لأن هذا هو غاية وسعه، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وللضرورة حال ويعلق بها أحكام غير أحكام الاستطاعة والاختيار.
فشيخ الإسلام أفتى هذه المرأة بفتوى تقتضيها الضرورة والحاجة في ذلك الوقت نفسه، على حسب ما أدى إليه اجتهاده.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الرسالة الموجهة إلى علماء الرياض / إلى حضرة علماء الرياض الكرام، حفظهم الله بالإسلام - المجلد (2)