الإسلام يدخل في قلوب الناس تدريجيا

إن الناس زمن النبي ﷺ حديثو عهد بشرك وجاهلية، وأكثر العرب لم يسلموا إلا بعد فتح مكة عام ثمانية من الهجرة. ولم يدخل الإيمان في قلوبهم حال استيلاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة عليهم، ولم يوقف رسول الله رجلاً منهم فيسأله: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وكم أركان الإيمان؟ بل تركهم على حالهم، وأخذ الإسلام يدخل في قلوبهم تدريجيًّا شيئًا بعد شيء، وبعد أن عرفوا الإيمان بمقتضى المزاولة والمجالسة والتعلم صاروا مسلمين مؤمنين تبعًا للفاتحين الغالبين. وبقي فيهم منافقون يظهرون الإسلام والإيمان ويبطنون الكفر والنفاق، ﴿وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ ١٤﴾ [البقرة:14]. وقد أنزل الله فيهم: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ ٨ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ ٩﴾ [البقرة:8-9]. فالرسول يعرف مِنْ هؤلاء ما لا يعرفه سعد (الذي وصف الصحابي بالإيمان فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام)؛ لأن الله سبحانه قد أخبره بأسماء بعضهم، كما أنه أخبر حذيفة بن اليمان بذلك وستر عليهم نفاقهم.. فالرسول كره من سعد أن يجزم بإيمان هذا الشخص والإيمان في القلب لا يطلع عليه إلا الله تعالى. كما نهى عن المجازفة في المدح والثناء، فقال: «إن كان أحدكم مادحًا أخاه لا محالة فليقل: فلان أحسبه كذا والله حسيبه. ولا يزكي على الله أحدًا». ولما كان رسول الله يعرف من هؤلاء ما لا يعرفه سعد؛ قال له: «أو مسلمًا» أي مستسلمًا بالطاعة والإذعان، كما فسرها البخاري بالترجمة وهي باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل، ثم ساق هذا الحديث. ولهذا أسرع أكثر هؤلاء العرب إلى الردة عن الإسلام بعد وفاة رسول الله ﷺ ومنعوا زكاة أموالهم وقالوا: إنه لو كان نبيًا لم يمت، فقاتلهم الصحابة حتى ردوهم إلى الدين؛ لأنه من المعلوم تفاوت الناس في الثبات على الدين وعدمه وزيادة الإيمان ونقصانه، وإن من الناس من إيمانه كالجبل في الثبات والقوة والاستقامة فلا تزعزعه الفتن، ومنهم من إيمانه كمثقال ذرة في خفته وقلّته ﴿يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ٢٧﴾ [إبراهيم: 27]. وكما أخبر القرآن أن من ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ ٨﴾ [البقرة: 8]. وهذه الآية نزلت في المنافقين، وكما أخبر النبي ﷺ فيما رواه مسلم عن حذيفة «أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة»، ثم حدثنا عن رفع الأمانة «وأن الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينًا، ما أظرفه وما أعقله. وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان».
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - القول السديد في تحقيق الأمر المفيد / [ المدرك السابع: الاعتماد على حديث جبريل عليه السلام في التفريق بين الإسلام والإيمان اعتماد غير صحيح ] - المجلد (1)