دخول الإيمان إلى قلوب من توطنت قلوبهم الكفر يحتاج إلى وقت
في البخاري أن عمر بن الخطاب خطب الناس بعد موت رسول الله ﷺ فقال: أيها الناس إننا نعرفكم إذ ينزل الوحي فينبئنا الله من أخباركم، وإنما نعرفكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا أحببناه وقرّبناه وسريرته إلى الله.. ومن أظهر لنا شرًّا ظننا به شرًّا وأبغضناه ولم نأمنه، وسريرته إلى الله عز وجل.
إنه ليس من الممكن أن يسرع دخول الإيمان إلى قلوب عرب الجزيرة وهم حديثو عهد بجاهلية ويعبدون الأصنام وسلاحهم بأيديهم يحاربون به الرسول والمؤمنين.. أو إلى أهل مكة -حال استيلاء الصحابة عليهم- وهم يعبدون الأصنام ويكذبون بوجود الرب وبالرسول وبالقرآن ويكذبون بالبعث بعد الموت ويكذبون بالجنة والنار، ويقولون ما حكى الله عنهم بقوله: ﴿وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ﴾ [الجاثية: 24].
فدخول الإيمان إلى قلوب هؤلاء يحتاج إلى وقت يزاولون فيه بالتعليم بأحكام الإسلام والعمل بشرائعه، ثم يدخل الإيمان تدريجيًّا في قلوبهم. وقد يموت بعضهم على كفره، ولكن القاعدة الأصولية أن كل بلد يفتحها المسلمون ويغلب عليها أحكام الإسلام فإنها بلد إسلام، ومتى أظهر أهلها الطاعة والخضوع وجب الكف عنهم، وفي بعض الغزوات لما شهر بعض الصحابة سيفه يريد قتل رجل في صف المشركين، فقال: لا إله إلا الله. فقتله، ولما أُخبر رسول الله بذلك أنكر عليه قتله.. فقال: يا رسول الله إنما قالها خوفًا من القتل. فقال رسول الله ﷺ: «أشققت عن قلبه»، «فإنني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم». ومثله ما جرى لخالد بن الوليد في قتله بني جذيمة، حين أقبلوا عليه وهم يقولون: صبأنا ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا. فقتلهم، فأنكر رسول الله عليه قتلهم.. وقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد».
وأول ما يزاول عليه المغلوبون الحديث عهدهم بالشرك هو مزاولتهم على أعمال الإسلام من الوضوء والصلاة والزكاة والصيام، فمتى عرفوا أن لهم ربًّا يصلون ويصومون له، فهذا هو مبدأ الإيمان..
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - القول السديد في تحقيق الأمر المفيد / [ المدرك السادس: الإسلام و الإيمان شيئان متباينان. وضعف هذا الرأي ] - المجلد (1)