مدار الخلاف في كون القتال لدفع أذى الكفار

إن الخلاف في هذه المسألة يدور بين أمرين: أحدهما أن سبب الجهاد المشروع هو الدفاع عن الدين وعن حوزة المسلمين وحدودهم وحقوقهم وجماعتهم وأفرادهم حتى ولو في غير بلادهم؛ كما يدافعون عن أنفسهم وأولادهم وبلادهم لاعتبار أن المسلمين متكافلون كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، وكذلك الدفاع عن الدين يمنع الطعن فيه أو فتنة من أسلم ليرتد عنه أو منع نشره في البلد بين الناس أو في سبيل المستضعفين والمضطهدين في بلادهم من المسلمين، قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ٧٥﴾ [النساء: 75]. فالجهاد في سبيل ذلك هو جهاد بالدفاع؛ أي قتال من يقاتلنا أو يمنع نشر ديننا أو يلقي الفتنة بيننا، وهذا هو حقيقة جهاد رسول الله وخلفائه وأصحابه لقوله سبحانه: ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ ١٩٠ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِيهِۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ ١٩١ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١٩٢﴾ [البقرة: 190-192]. أي إن انتهوا عن قتالكم فانتهوا عن قتالهم، وقال تعالى: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِۖ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَلَا عُدۡوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّلِمِينَ ١٩٣﴾ [البقرة: 193]. أي إن انتهوا عن فتنتكم فانتهوا عن قتالهم، ولم يقل سبحانه: وقاتلوهم حتى يسلموا، بل قال: ﴿حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ﴾، فكل هذه الآيات نزلت في المحاربين الذين يقاتلون المسلمين ويفتننونهم في دينهم. الأمر الثاني قول من يقول: إن الجهاد سببه الكفر فيجب قتال الكفار حتى يسلموا وهذا هو اعتقاد الكاتب(صاحب كتاب "الجهاد في الإسلام بين الطلب والدفاع") ، وقد بنى كتابه على تصحيحه واعتقاد العمل بموجبه، كما أنه اعتقاد بعض الفقهاء المتقدمين وأكثر العامة.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
مجموع الرسائل - الملحق بكتاب الجهاد المشروع في الإسلام / "تحقيق معنى الجهاد بالدفاع" - المجلد (3)