حديث أبي ركانة موافق لحكم الله ورسوله على أن الطلاق بالثلاث إذا وقع جملة واحدة فإنه لا يكون إلا عن واحدة

ثم قال الكاتب ( الشيخ محمد أمين الشنقيطي رحمه الله ) : (ويدل على صحة وقوع الطلاق بالثلاث جميعًا ما رواه أبو داود عن ابن عباس أن أبا ركانة طلق أم ركانة البتة، وأن رسول الله ﷺ استحلفه ما أراد بها إلا واحدة). وقد تعرض الكاتب لحديث ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عند أحمد وأبي يعلى وصححه بعضهم قال: طلق أبو ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنًا شديدًا، فسأله النبي ﷺ: «كيف طلقتها؟» قال: ثلاثًا في مجلس واحد. فقال النبي ﷺ: «إنما تلك واحدة، فارتجعها إن شئت» فارتجعها. ثم قال الكاتب: (إن هذا الحديث مردود من ثلاثة أوجه: الأول: أنه لا دليل فيه البتة على محل النزاع - على فرض صحته - لا بدلالة المطابقة، ولا بدلالة التضمن، ولا بدلالة الالتزام، لأن لفظ المتن أن الطلقات الثلاث واقعة في مجلس واحد ولا يلزم منها كونها بلفظ واحد). فالجواب: أن هذا الكاتب عفا الله عنه، يظهر منه أنه لا يقبل إلا الحديث الذي يتمشى على مذهبه ولو كان ضعيفًا. أما الحديث الصحيح الذي يثبت كون الطلاق متى وقع بالثلاث في مجلس واحد فإنه يرد إلى واحدة كهذا وأمثاله، فإنه يقابله بالرد والإنكار وصرفه إلى غير المعنى المراد منه، وهذا الحديث موافق لحكم الله ورسوله على أن الطلاق بالثلاث إذا وقع جملة واحدة فإنه لا يكون إلا عن واحدة. وأما دعواه بأنه لم يثبت كونها بلفظ واحد، فإنها غلطة منه وعدم فقه منه بالطلاق الشرعي، فإنه متى طلقها بالثلاث بلفظ واحد، أو بعدد ألفاظ في مجلس واحد، فإنما يقع عليها واحدة فقط، والطلقتان الباقيتان تعتبران لغوًا في الكلام، بحيث لا يعتد بهما، لكون الرجعية لا يلحقها طلاق في طهرها. ولا يحق لكل إنسان أن يطلق في الطهر الذي لم يجامع زوجته فيه إلا طلقة واحدة، سواء وقعت بلفظ الثلاث أو بواحدةٍ، وسواء أكانت في مجلس أو في مجالس، إذ الطلاق الشرعي من شرط صحته كونه رجعيًّا. فدل هذا الحديث على بطلان الطلاق بالثلاث مجتمعة وأنه لا يقع فيه إلا واحدة بالالتزام والمطابقة والتضمن. ويكفينا في الرد عن هذا كله قول الرسول ﷺ لأبي ركانة: «إنما تلك طلقة واحدة فارتجعها». وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله
من رسالة " الحكم الشرعي في الطلاق السني والبدعي " / غضب رسول الله ﷺ من الذي طلق ثلاثًا بلفظ واحد || المجلد (2)